الخلاف، وإن كان دون الميقات أحرم من موضعه، فأما إن رجع القريب فظاهر قول من ذكرنا قوله: أنه لا يلزمه إحرام؛ لأنه رجع لإتمام نسك مأمور به، فأشبه من رجع لطواف الزيارة، فإن ودع وخرج ثم دخل مكة لحاجة، فقال أحمد: أحب إلي أن لا يدخل إلا محرما، وأحب إلي إذا خرج أن يودع البيت بالطواف؛ وهذا لأنه لم يدخل لإتمام النسك، إنما دخل لحاجة غير متكررة، فأشبه من يدخلها للإقامة بها) انتهى كلام صاحب [المغني] .
ومثله في [الشرح الكبير] ونصه: (وإن أخر طواف الزيارة أو القدوم فطافه عند الخروج كفاه ذلك الطواف عن طواف الوداع) .
قال الشيخ مرعي في [الغاية] : (ويتجه من تعليلهم ولو لم ينو طواف الوداع حال شروعه في طواف الزيارة أو القدوم) انتهى؛ لأن المأمور به أن يكون آخر عهده بالبيت وقد فعل، ولأنهما عبادتان من جنس فأجزأت إحداهما عن الأخرى، ولأن ما شرع مثل تحية المسجد يجزئ عنه الواجب من جنسه؛ كإجزاء المكتوبة عن تحية المسجد، وكإجزاء المكتوبة أيضا عن ركعتي الطواف، وعن ركعتي الإحرام، وكغسل الجنابة عن غسل الجمعة، فإن نوى بطوافه الوداع لم يجزئه عن طواف الزيارة ولو كان ناسيا لطواف الزيارة؛ لأنه لم ينوه، وفي الحديث: «وإنما لكل امرئ ما نوى (١) » .
فإن قيل: كيف يتصور إجزاء طواف القدوم عن طواف الوداع، وقد قال الأصحاب: ثم يفيض إلى مكة فيطوف مفرد وقارن لم يدخلاها قبل للقدوم برمل ثم للزيارة؟ قلنا: يتصور فيما إذا لم يكن دخل مكة لضيق وقت الوقوف بعرفة مثلا، وقصد عرفات فلما رجع منها طاف للزيارة أولا، ثم
(١) صحيح البخاري بدء الوحي (١) ، صحيح مسلم الإمارة (١٩٠٧) ، سنن الترمذي فضائل الجهاد (١٦٤٧) ، سنن النسائي الطهارة (٧٥) ، سنن أبو داود الطلاق (٢٢٠١) ، سنن ابن ماجه الزهد (٤٢٢٧) ، مسند أحمد بن حنبل (١/٤٣) .