للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنذور والهدي على غيره مجاز، وبقوله: (ليتقرب به) أي: بإراقة دمه فيه، أي: في الحرم عما يهدى من النعم إلى الحرم هدية لرجل، وأفاد به أنه لا بد فيه من النية، أي: ولو دلالة (١) .

٨ - قال الجصاص في تفسيره: [أحكام القرآن] :

باب المحصر أين يذبح الهدي؟

قال تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (٢) واختلف السلف في المحل ما هو؟ فقال عبد الله بن مسعود، وابن عباس، وعطاء وطاوس، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين: هو الحرم. وهو قول أصحابنا والثوري.

وقال مالك والشافعي: محله الموضع الذي أحصر فيه فيذبحه ويحل. والدليل على صحة القول الأول: أن المحل اسم لشيئين: يحتمل أن يراد به الوقت، ويحتمل أن يراد به المكان. ألا ترى أن محل الدين هو وقته الذي تجب المطالبة به، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير: «اشترطي في الحج وقولي: محلي حيث حبستني (٣) » فجعل المحل في هذا الموضع اسما للمكان

فلما كان محتملا للأمرين ولم يكن هدي الإحصار في العمرة مؤقتا عند الجميع وهو لا محالة مراد بالآية - وجب أن يكون مراده المكان، فاقتضى ذلك أن لا يحل حتى يبلغ مكانا غير مكان الإحصار؛ لأنه لو كان موضع الإحصار محلا للهدي لكان بالغا محله بوقوع الإحصار، ولأدى ذلك إلى بطلان الغاية المذكورة في الآية، فدل ذلك على أن المراد بالمحل: هو الحرم؛ لأن كل من لا يجعل موضع


(١) [رد المحتار على الدر المختار] لابن عابدين (٢\ ٦١٤) .
(٢) سورة البقرة الآية ١٩٦
(٣) صحيح البخاري النكاح (٥٠٨٩) ، صحيح مسلم الحج (١٢٠٧) ، سنن النسائي مناسك الحج (٢٧٦٨) ، مسند أحمد بن حنبل (٦/٢٠٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>