العلاء بن الحضرمي: أنه عليه الصلاة والسلام قال: «يمكث المهاجر بعد انقضاء نسكه ثلاثا (١) » قالوا: فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم للمهاجرين الإقامة بمكة التي كانت أوطانهم فأخرجوا عنها في الله تعالى حتى يلقوا ربهم عز وجل غرباء عن أوطانهم لوجهه عز وجل، ثم أباح لهم المقام بها ثلاثا بعد تمام النسك. قالوا: فكانت الثلاث خارجة عن الإقامة المكروهة لهم، وكان ما زاد عنها داخلا في الإقامة المكروهة ما نعلم لهم حجة غير هذا أصلا.
وهذا لا حجة لهم فيه؛ لأنه ليس في هذا الخبر نص ولا إشارة إلى المدة التي إذا أقامها المسافر أتم، وإنما هو في حكم المهاجر، فما الذي أوجب أن يقاس المسافر يقيم على المهاجر يقيم، هذا لو كان القياس حقا، وكيف وكله باطل؟
وأيضا فإن المسافر يباح له أن يقيم ثلاثا وأكثر من ثلاث لا كراهية في شيء من ذلك، وأما المهاجر فمكروه له أن يقيم بمكة بعد انقضاء نسكه أكثر من ثلاث فأما نسبة بين إقامة مكروهة وإقامة مباحة لو أنصفوا أنفسهم؟
وأيضا فإن ما زاد على الثلاثة الأيام للمهاجر داخل عندهم في حكم أن يكون مسافرا لا مقيما، وما زاد على الثلاثة للمسافر، فإقامة صحيحة، وهذا مانع من أن يقاس أحدهما على الآخر، ولو قيس أحدهما على الآخر لوجب أن يقصر المسافر فيما زاد على الثلاث لا أن يتم، بخلاف قولهم.
وأيضا فإن إقامة قدر صلاة واحدة زائدة على الثلاثة مكروهة، فينبغي عندهم إذا قاسوا عليه المسافر أن يتم ولو نوى زيادة صلاة على الثلاثة الأيام وهكذا قال أبو ثور، فبطل قولهم على كل حال، وعريت الأقوال كلها عن
(١) صحيح البخاري المناقب (٣٩٣٣) ، صحيح مسلم الحج (١٣٥٢) ، سنن الترمذي الحج (٩٤٩) ، سنن النسائي تقصير الصلاة في السفر (١٤٥٥) ، سنن أبو داود المناسك (٢٠٢٢) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٠٧٣) ، مسند أحمد بن حنبل (٥/٥٢) ، سنن الدارمي الصلاة (١٥١٢) .