ونسأل من أبى هذا عمن مشى في سفر تقصر فيه الصلاة عندهم نوى إقامة وهو سائر لا ينزل ولا يثبت اضطر لشدة الخوف إلى أن يصلي فرضه راكبا ناهضا أو ينزل لصلاة فرضه ثم يرجع إلى المشي: أيقصر أو يتم؟ فمن قولهم يقصر، فصح أن السفر هو المشي.
ثم نسألهم عمن نوى إقامة وهو نازل غير ماش: أيتم أم يقصر؟ فمن قولهم يتم. فقد صح أن الإقامة هي السكون لا المشي متنقلا، وهذا نفس قولنا، ولله تعالى الحمد.
وأما الجهاد والحج فإن عبد الله بن ربيع قال: ثنا محمد بن إسحاق بن السليم، ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله، قال: «أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة (١) » .
قال علي: محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ثقة، وباقي رواة الخبر أشهر من أن يسأل عنهم. وهذا أكثر ما «روي عنه عليه السلام في إقامته بتبوك،» فخرج هذا المقدار من الإقامة عن سائر الأوقات بهذا الخبر، وقال أبو حنيفة ومالك: يقصر مادام مقيما في دار الحرب.
قال علي: وهذا خطأ لما ذكرنا من أن الله تعالى لم يجعل ولا رسوله عليه السلام الصلاة ركعتين إلا في السفر، وأن الإقامة خلاف السفر، لما ذكرنا.
وقال الشافعي وأبو سليمان كقولنا في الجهاد. وروينا عن ابن عباس، مثل قولنا نصا إلا أنه خالف في المدة.
وأما الحج والعمرة فلما حدثناه عبد الله بن يوسف، حدثنا أحمد بن فتح،
(١) سنن أبو داود الصلاة (١٢٣٥) ، مسند أحمد بن حنبل (٣/٢٩٥) .