والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانا ومكانا وحالا، كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها، فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة فشرع التعزير بالقتل لمدمن الخمر في المرة الرابعة، وساق رحمه الله طائفة من الأمثلة. ثم قال: ومن ذلك: أنه رضي الله عنه لما رأى الناس قد أكثروا من الطلاق الثلاث ورأى أنهم لا ينتهون عنه إلا بعقوبة - فرأى إلزامهم بها عقوبة لهم؛ ليكفوا عنها. وذلك:
إما من التعزير العارض الذي يفعل عند الحاجة، كما كان يضرب في الخمر ثمانين، ويحلق فيها الرأس، وينفي عن الوطن، وكما منع النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خلفوا عنه عن الاجتماع بنسائهم، فهذا له وجه.
وإما ظنا أن جعل الثلاث واحدة كان مشروعا بشرط وقد زال، كما ذهب إلى ذلك في متعة الحج إما مطلقا وإما متعة الفسخ فهذا وجه آخر.
وإما لقيام مانع قام في زمنه، منع من جعل الثلاث واحدة، كما قام عنده مانع من بيع أمهات الأولاد، ومانع من أخذ الجزية من نصارى بني تغلب وغير ذلك فهذا وجه ثالث.
ومضى إلى أن قال: فلما رأى أمير المؤمنين أن الله سبحانه عاقب المطلق ثلاثا، بأن حال بينه وبين زوجته وحرمها عليه حتى تنكح زوجا غيره، علم أن ذلك لكراهته الطلاق المحرم، وبغضه له فوافقه أمير المؤمنين في عقوبته لمن طلق ثلاثا جميعا بأن ألزمه بها وأمضاها عليه.
فإن قيل: فكان أسهل من ذلك أن يمنع الناس من إيقاع الثلاث ويحرمه