للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم، ويعاقب بالضرب والتأديب من فعله، لئلا يقع المحذور الذي يترتب عليه؟ قيل: لعمر الله! قد كان يمكنه ذلك، ولذلك ندم عليه في آخر أيامه، وود أنه كان فعله. قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في [مسند عمر] : أخبرنا أبو يعلى، حدثنا صالح بن مالك، حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه قال: قال عمر رضي الله عنه (ما ندمت على شيء ندامتي على ثلاث: أن لا أكون حرمت الطلاق، وعلى أن لا أكون أنكحت الموالي، وعلى أن لا أكون قتلت النوائح) .

ومن المعلوم أنه رضي الله عنه لم يكن مراده تحريم الطلاق الرجعي، الذي أباحه الله تعالى، وعلم بالضرورة من دين رسول الله صلى الله عليه وسلم جوازه، ولا الطلاق المحرم الذي أجمع المسلمون على تحريمه كالطلاق في الحيض وفي الطهر المجامع فيه، ولا الطلاق قبل الدخول الذي قال الله تعالى فيه: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} (١)

هذا كله من أبين المحال أن يكون عمر رضي الله عنه أراده فتعين قطعا أنه أراد تحريم إيقاع الثلاث، فعلم أنه إنما كان أوقعها لاعتقاده جواز ذلك؛ ولذلك قال: (إن الناس قد استعجلوا في شيء كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم) . وهذا كالتصريح في أنه غير حرام عنده، وإنما أمضاه؛ لأن المطلق كانت له فسحة من الله تعالى في التفريق، فرغب عما فسح الله


(١) سورة البقرة الآية ٢٣٦

<<  <  ج: ص:  >  >>