وإجماع الصحابة- والاعتقاد، وغير ذلك من المفاسد، لم يجز أن يزال مفسدة حقيقية بمفاسد أغلظ منها، بل جعل الثلاث واحدة في مثل هذا الحال، كما كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر أولى؛ ولهذا كان طائفة من العلماء- مثل: أبي البركات - يفتون بلزوم الثلاث في حال دون حال، كما نقل عن الصحابة، وهذا؛ إما لكونهم رأوه من (باب التعزير) الذي يجوز فعله بحسب الحاجة، كالزيادة على أربعين في الخمر والنفي فيه، وحلق الرأس، وإما لاختلاف اجتهادهم: فرأوه تارة لازما وتارة غير لازم.
وبالجملة: فما شرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته (شرعا لازما) إنما (١) لا يمكن تغييره؛ لأنه لا يمكن نسخ بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجوز أن يظن بأحد من علماء المسلمين أن يقصد هذا، لا سيما الصحابة، لا سيما الخلفاء الراشدون، وإنما يظن ذلك في الصحابة أهل الجهل والضلال؛ كالرافضة والخوارج الذين يكفرون بعض الخلفاء أو يفسقونه، ولو قدر أن أحدا فعل ذلك لم يقره المسلمون على ذلك، فإن هذا إقرار على أعظم المنكرات، والأمة معصومة أن تجتمع على مثل ذلك، وقد نقل عن طائفة: كعيسى بن أبان وغيره من أهل الكلام والرأي من المعتزلة وأصحاب أبي حنيفة ومالك: أن الإجماع ينسخ به نصوص الكتاب والسنة.
وكنا نتأول كلام هؤلاء على أن مرادهم: أن الإجماع يدل على نص ناسخ، فوجدنا من ذكر عنهم أنهم يجعلون الإجماع نفسه ناسخا، فإن كانوا أرادوا ذلك فهذا قول يجوز تبديل المسلمين دينهم بعد نبيهم، كما
(١) هكذا في (فتاوى شيخ الإسلام) - (٣٣\٩٣) ولعل حذفها أولى. اهـ (الناشر) .