الحكمين في الشقاق بين الزوجين منصوص عليه في الكتاب، فكيف يجوز أن يخفى عليهم مع محلهم من العلم والدين والشريعة؟ ! ولكن عندهم أن الحكمين ينبغي أن يكونا وكيلين لهما، أحدهما وكيل المرأة والآخر وكيل الزوج.
وكذا روي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وروى ابن عيينة عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة قال: أتى عليا رجل وامرأته مع كل واحد منهما فئام من الناس، فقال علي: ما شأن هذين؟ قالوا: بينهما شقاق، قال:{فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}(١) فقال علي: هل تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا، وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا، فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله، فقال الرجل: أما الفرقة فلا، فقال علي: كذبت والله لا تنفلت مني حتى تقر كما أقرت، فأخبر علي: أن قول الحكمين إنما يكون برضا الزوجين، فقال أصحابنا: ليس للحكمين أن يفرقا إلا أن يرضى الزوج، وذلك أن لا خلاف أن الزوج لو أقر بالإساءة إليها لم يفرق بينهما ولم يجبره الحاكم على طلاقها قبل تحكيم الحكمين، وكذلك لو أقرت المرأة بالنشوز لم يجبرها الحاكم على خلع ولا على رد مهرها.
فإذا كان كذلك حكمهما قبل بعث الحكمين فكذلك بعد بعثهما لا يجوز إيقاع الطلاق من جهتهما من غير رضا الزوج وتوكيله، ولا إخراج المهر عن ملكها من غير رضاها؛ فلذلك قال أصحابنا: إنهما لا يجوز خلعهما إلا برضا الزوجين.