للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الخوف المذكور هاهنا هو المعني بقوله تعالى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (١) وحظر الله على الزوج أخذ شيء مما أعطاها إلا على شريطة الخوف منهما ألا يقيما حدود الله، فأباح حينئذ أن تفتدي بما شاءت وأحل للزوج أخذه، فكيف يجوز للحكمين أن يوقعا خلعا أو طلاقا من غير رضاهما، وقد نص الله تعالى على أنه لا يحل له أخذ شيء مما أعطى إلا بطيبة من نفسها ولا أن تفتدي به؟ ! فالقائل بأن للحكمين أن يخلعا بغير توكيل من الزوج مخالف لنص الكتاب، وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (٢) فمنع كل أحد أن يأكل مال غيره إلا برضاه، وقال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} (٣) فأخبر تعالى: أن الحاكم وغيره سواء في أنه لا يملك أخذ مال أحد ودفعه إلى غيره، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه (٤) » ، وقال صلى الله عليه وسلم: «فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فإنما أقطع له قطعة من النار (٥) » .

فثبت بذلك: أن الحاكم لا يملك أخذ مالها ودفعه إلى زوجها ولا يملك إيقاع طلاق على الزوج بغير توكيله ولا رضاه، وهذا حكم الكتاب والسنة وإجماع الأمة في أنه لا يجوز للحاكم في غير ذلك من الحقوق إسقاطه


(١) سورة النساء الآية ٣٥
(٢) سورة النساء الآية ٢٩
(٣) سورة البقرة الآية ١٨٨
(٤) مسند أحمد بن حنبل (٥/٧٣) .
(٥) صحيح البخاري الحيل (٦٩٦٧) ، صحيح مسلم الأقضية (١٧١٣) ، سنن النسائي آداب القضاة (٥٤٠١) ، سنن أبو داود الأقضية (٣٥٨٣) ، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٣١٧) ، مسند أحمد بن حنبل (٦/٣٢٠) ، موطأ مالك الأقضية (١٤٢٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>