للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذكر الله خلق الإنسانن وما عهد إليه من تكليفات في ثنايا القرآن الكريم، وقد ذكر الكون على أنه مسخَّر للإنسان يكشف منه أسرار الوجود التي يكون في طاقته أن يعلم بها، ويذكر خلق الإنسان وما أودعه الله تعالى من قوى ليعبد الله تعالى وحده.

ويذكر -سبحانه وتعالى- أنه بمقتضى ذلك التكوين النفسي والعقلي وكل القوى التي خلقها -سبحانه وتعالى- قد أخذ عليه عهدًا أن يكون ربانيًّا لله -سبحانه وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ، وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف: ١٧٢-١٧٤] .

وبذلك يبيِّن سبحانه أنّ المواهب الإنسانية التي خلقها الله في الإنسان عهد بينه وبين ربه، فإن استجاب لفطرته ارتفع، وإن خالف واتبع الشيطان هوى، وبيِّنَ -سبحانه وتعالى- كيف يهوى، فيقول سبحانه بعد الآية السابقة:

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ، سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ، وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: ١٧٥-١٧٩] .

النفس الإنسانية في القرآن:

٢٢٧- إذا اتجه التالي للقرآن إلى دراسة النفس الإنسانية من خلال آياته، فإنه بلا ريب في مكان فسيح للدراسة، يعطي مجموعة من المعلومات الحقيقية المصورة للنفس في إيمانها وفي فجورها، ويمكن أن يجد الإنسان فيها قواعد علمية تكشف عن نواميس النفوس، وما تتأثَّر به، وما تتجه إليه في إيمانها وفي انحرافها، ولنتجه إلى بعض هذه المعاني في كتاب الله تعالى، ولا ندَّعي أننا نستطيع الإحاطة بها علمًا، ولا إحصاءها ولو بالتقريب، فإنَّ ذلك يحتاج إلى تفرغ لا قِبَل للأخذ به إلَّا أن يكون ممن يعنون بدراسته، أو من المتخصِّصين في علم النفس، ولنضرب بعض الأمثال، وكثير منها في قصص القرآن، وبعضها في شرح أحوال المؤمنين وأحوال الكافرين:

<<  <   >  >>