للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استجابوا لطلب أبيهم وذهبوا يبحثون، وإن مكان الأخ الأخير معروف عندهم، وأما الأخ الذي غيبوه فهم لا يعلمون حاله ولا ماله.

ذهبوا إلى المكان الذي تركوا فيه الأخ الأخير، فدخلوا على عزيز مصر "يوسف" و {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} .

هم جاءوا للبحث عن أخيهم، ولكنَّهم جعلوا المدخل إليه أن يقولوا أنَّهم جاءوا ببضاعة مزجاة، وهنا نجد يوسف الصديق يحِنُّ إلى جمع الشمل بعد إذ تفرَّق، فيقول لهم عاتبًا معتذرًا عنهم إذ فعلوا ما فعلوا جاهلين، يقول الأخ المحب لإخوته: {هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} وهنا تلهمهم عاطفة الأخوة الحبيبة إلى أنه يوسف، وإن تغيَّرت الأحوال، واختفت سيم الطفولة وبدت سمة الرجولة: {قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} .

وهنا تظهر الأخوة المحبة المتغاضية عن الإثم من الجاهلين، فيقول الكريم ابن الكريم: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} .

وقد علم حال أبيه وطبّ لعلاجه، وقال: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} .

كان الأب العطوف يحس، وهم في الطريق إليه بأن ريح يوسف تهب نحوه: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ، قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ، قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} .

ولا نقف طويلًا عند ارتداد البصر إلى نبيّ الله يعقوب -عليه السلام- بعد أن ابيضَّت عيناه من الحزن، أهو بسبب الفرحة الشديدة أم هو خارق للعادة، وما ذاك بغريب على الأنبياء، ونحن نميل إلى الثاني، فإنَّ يوسف -عليه السلام- كان متنأكدًا، ولم يكن متظننًا له.

جاءت الأسرة إلى مصر حيث سلطان يوسف -عليه السلام، والتقت على المحبة بعد أن فرقتها غيرة الجهل: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ، وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ

<<  <   >  >>