للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين رجليها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ يعني آية ربه لواقعها والبرهان مثل له يعقوب عاض على إصبعه فلما رأى ذلك ولى دبرا واتبعته المرأة كَذلِكَ يعنى


ربه بأن فتحت له الأبواب أمامه فأسرع منها وأسرعت خلفه وأمسكت بقميصه فانقطع فى يدها وقد ساق صاحب المنار العديد من الأدلة على نزاهة يوسف كما انتقد الروايات التي تنسب إليه الاستعداد الزنا أو أنه جلس بين رجليها فقال:
(رأى الجمهور فى همت به وهم بها وبيان بطلانه) ذهب الجمهور المخدوعون بالروايات إلى أن المعنى أنها همت بفعل الفاحشة ولم يكن لها معارض ولا مانع منها، وهم هو بمثل ذلك ولولا أنه رأى برهان ربه لاقترفها، ولم يستح بعضهم أن يروى من أخبار اهتياجه ونهوكه فيه ووصف انهماكه وإسرافه فى تنفيذه وتهتك المرأة فى تبذلها بين يديه مالا يقع مثله إلا من أوقع الفساق المسرفين المستهترين، الذين طال عليهم عهد استباحة الفواحش وألفتها حتى خلعوا العذار، وتجردوا من جلابيب الحياء، وأمسوا عراة من لباس التقوى وحال الأدب ...
فإن مثل هذا الذي افتروه فى قصة هذا النبي الكريم لا يقع مثله ممن ابتلى بالمعصية أول مرة من سليمى الفطرة، ولا من سذج الأعراب الذين لم تغلبهم سورة الشهوة الجامحة على حيائهم الفطري وإيمانهم وحيائهم من نظر ربهم إليهم فضلا عن نبى عصمه الله ووصفه بما وصف وشهد له بما شهد، وقد بلغ ببعضهم الجهل بالدين والوقاحة وقلة الأدب أن يزعموا أن يوسف- عليه السّلام- لم ير برهانا واحدا بل رأى عدة براهين من رؤية والده متمثلا له منكرا عليه، وتكرار وعظه له، ومن رؤية بعض الملائكة ونزولهم عليه بأشد زواجر القرآن بآيات من سورة فلم تنهنه من سبقه، ولم تنهه عن غيه، حتى كان أن خرجت شهوته من أظافره، ومعنى هذا أنه لم يكف إلا عجزا عن الإمضاء، أفبهذا صرف الله عنه السوء والفحشاء وكان من عباد الله المخلصين، وأنبيائه المصطفين الأخيار؟
ولئن كان عقلاء المفسرين أنكروا هذه الروايات الإسرائيلية الحمقاء، حماية لعقيدة عصمة الأنبياء فإنه لم يكد يسلم أحد من تأثير بعضها فى أنفسهم، وتسليمهم أن الهمم من الجانبين كان بمعنى العزم على الفاحشة تفسير المنار: ١٢/ ٢٨٠، ٢٨١.
وقد ساق صاحب المنار قصة لمصور سورى هاجر إلى أمريكا ودفع جعلا لفتاة وجعل يصورها فى أوضاع مختلفة ثم راودها عن نفسها فأبت وامتنعت فسألها عن سبب هذا الامتناع؟
فقالت سببه أننى عاهدت رجلا يحبني وأحبه على أن يكون كل منا للآخر لا يشرك فى الاستمتاع به أحدا، ولا يبتغى به بدلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>