وقال العتّابى: كلّ من أفهمك حاجته فهو بليغ. وإنما عنى: إن أفهمك حاجته بالألفاظ الحسنة، والعبارة النيّرة فهو بليغ.
ولو حملنا هذا الكلام على ظاهره للزم أن يكون الألكن بليغا؛ لأنه يفهمنا حاجته؛ بل ويلزم أن يكون كلّ الناس بلغاء حتى الأطفال، لأنّ كلّ أحد لا يعدم أن يدلّ على غرضه بعجمته أو لكنته أو إيمائه أو إشارته؛ بل لزم أن يكون السّنّور بليغا؛ لأنّا نستدلّ بضغائه «١» على كثير من إرادته. وهذا ظاهر الإحالة.
ونحن نفهم رطانة السّوقى «٢» . وجمجمة «٣» الأعجمى للعادة التى جرت لنا فى سماعها. لا لأنّ تلك بلاغة؛ ألا ترى أنّ الأعرابى إن سمع ذلك لم يفهمه؛ إذ لا عادة له بسماعه.
وأراد رجل أن يسأل بعض الأعراب عن أهله فقال: كيف أهلك؟ بالكسر.
فقال له الأعرابى: صلبا؛ إذ لم يشكّ أنه إنما يسأله عن السبب الذى يهلك به.
وقال الوليد بن عبد الملك لأعرابى شكا إليه ختنا «٤» له، فقال: من ختنك؟ ففتح النون. فقال: معذر «٥» فى الحى؛ إذ لم يشكّ فى أنه إنما يسأله عن خاتنه.
وقال رجل لأعرابى: ألقى عليك بيتا. فقال: ألق على نفسك. وسمع أعرابىّ قصيدة أبى تمام «٦» :
طلل الجميع لقد عفوت حميدا «٧»
فقال: إنّ فى هذه القصيدة أشياء أفهمها، وأشياء لا أفهمها؛ فإما أن يكون قائلها أشعر من جميع الناس، وإما أن يكون جميع الناس أشعر منه. ونحن نفهم