وأما الطريقة المسلوكة فى التشبيه، والنّهج القاصد فى التمثيل عند القدماء والمحدثين فتشبيه الجواد بالبحر والمطر، والشجاع بالأسد، والحسن بالشمس والقمر، والسهم الماضى بالسيف، والعالى الرّتبة بالنّجم، والحليم الرزين بالجبل، والحيى بالبكر، والفائت بالحلم؛ ثم تشبيه اللئيم بالكلب، والجبان بالصّفرد «١» ، والطائش بالفراش، والذّليل بالنّقد «٢» والنّعل والفقع «٣» والوتد؛ والقاسى بالحديد والصّخر، والبليد بالجماد؛ وشهر قوم بخصال محمودة؛ فصاروا فيها أعلاما فجروا مجرى ما قدّمناه؛ كالسموءل فى الوفاء، وحاتم فى السخاء، والأحنف فى الحلم، وسبحان فى البلاغة، وقسّ فى الخطابة، ولقمان فى الحكمة. وشهر آخرون بأضداد هذه الخصال؛ فشبّه بهم فى حال الذم كباقل فى العىّ «٤» ، وهبنقّة فى الحمق، والكسعىّ فى النّدامة، والمنزوف ضرطا فى الجبن، ومادر فى البخل.
والتشبيه يزيد المعنى وضوحا ويكسبه تأكيدا؛ ولهذا ما أطبق جميع المتكلمين من العرب والعجم عليه، ولم يستغن أحد منهم عنه.
وقد جاء عن القدماء وأهل الجاهلية من كلّ جيل ما يستدلّ به على شرفه وفضله وموقعه من البلاغة بكلّ لسان. فمن ذلك ما قال صاحب كليلة ودمنة: الدنيا كالماء الملح كلما ازددت منه شربا ازددت عطشا. وقال: صحبة الأشرار تورث الشرّ كالريح إذا مرّت على المنتن حملت نتنا، وإذا مرّت على الطيب حملت طيبا. وقال:
من لا يشكر له كان كمن نثر بذره فى السّباخ، ومن أشار على معجب كان كمن سارّ الأصم. وقد نظمت هذا المعنى. فقلت:
ألا إنّما النعمى تجازى بمثلها ... إذا كان مسداها إلى ماجد حرّ