الفصل الثّالث والعشرون فى تجاهل العارف، ومزج الشك باليقين
[تجاهل العارف]
تجاهل العارف ومزج الشك باليقين: هو إخراج ما يعرف صحته مخرج ما يشك فيه ليزيد بذلك تأكيدا؛ ومثاله من المنثور ما كتبته إلى بعض أهل الأدب: سمعت بورود كتابك، فاستفزّنى الفرح قبل رؤيته، وهزّ عطفى المرح أمام مشاهدته؛ فما أدرى أسمعت بورود كتاب، أم ظفرت برجوع شباب، ولم أدر ما رأيت:
أخط مسطور؟ أم روض ممطور وكلام منثور؟ أم وشى منشور؟ ولم أدر ما أبصرت فى أثنائه: أأبيات شعر، أم عقود در؟ ولم أدر ما حملته: أغيث حلّ بوادى ظمآن، أم غوث سيق إلى لهفان.
ونوع منه ما كتب به كافى الكفاة:
كتبت إليك والأحشاء تهفو ... وقلبى ما يقرّ له قرار
عن سلامة؛ إن كان فى عدم السالمين من اتّصل سهاده، وطار رقاده، ففؤاده يجف، ودمعه يكف؛ ونهاره للفكر، وليله للسّهر.
ومن المنظوم قول بعض العرب «١» :
بالله يا ظبيات القاع قلن لنا ... ليلاى منكنّ أم ليلى من البشر
وقول آخر:
أأنت ديار الحىّ أيتها الرّبا ال ... أنيقة أم دار المهى والنّعائم
وسرب ظباء الوحش هذا الّذى ... أرى بربعك أم سرب الظّباء النواعم
وأدمعنا اللّاتى عفاك انسجامها ... وأبلاك أم صوب الغمام السّواجم
وأيامنا فيك اللّواتى تصرّمت ... مع الوصل أم أضغاث أحلام نائم