الاستثقال، وصار سببا للملال؛ فذلك هو الهذر والإسهاب والخطل، وهو معيب عند كل لبيب.
وقال بعضهم: البلاغة بالإيجاز أنجع من البيان بالإطناب. وقال: المكثار كحاطب الليل. وقيل لبعضهم: من أبلغ الناس؟ قال: من حلّى المعنى المزير باللفظ الوجيز، وطبّق المفصل قبل التحزيز.
المزيز: الفاضل، والمزّ: الفضل. وقوله:«وطبّق المفصل قبل التّحزيز» :
مأخوذ من كلام معاوية رضى الله عنه وهو قوله لعمرو بن العاص لما أقبل أبو موسى: يا عمرو؛ إنه قد ضمّ إليك رجل طويل اللسان، قصير الرأى والعرفان؛ فأقلل الحزّ، وطبّق المفصل، ولا تلقه بكلّ رأيك. فقال عمرو: أكثر من الطعام، وما بطن قوم إلا فقدوا بعض عقولهم.
والإيجاز: القصر والحذف.
[نوعا الإيجاز]
فالقصر تقليل الألفاظ، وتكثير المعانى؛ وهو قول الله عزّ وجل: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ.
ويتبيّن فضل هذا الكلام إذا قرنته بما جاء عن العرب فى معناه، وهو قولهم:
«القتل أنفى للقتل» . فصار لفظ القرآن فوق هذا القول لزيادته عليه فى الفائدة، وهو إبانة العدل لذكر القصاص وإظهار الغرض المرغوب عنه فيه لذكر الحياة، واستدعاء الرّغبة والرّهبة لحكم الله به ولإيجازه فى العبارة. فإنّ الذى هو نظير قولهم:«القتل أنفى للقتل» إنما هو: «القصاص حياة» وهذا أقلّ حروفا من ذاك، ولبعده من الكلفة بالتكرير، وهو قولهم:«القتل أنفى للقتل» . ولفظ القرآن برىء من ذلك، وبحسن التأليف وشدة التلاؤم المدرك بالحسّ؛ لأنّ الخروج من الفاء إلى اللام أعدل من الخروج من اللام إلى الهمزة.
ومن القصر أيضا قوله تعالى: إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ