وخطب بعضهم فقال: إنّ الله أنشأ الخلق وسوّاهم ومكّنهم ثم لا شاهم، فضحكوا منه؛ وقال بعض المتأخرين:
نور تبين فيه لاهوتيه ... فيكاد يعلم علم ما لن يعلما
فأتى من الهجنة بما لا كفاء له، وكذلك كن أيضا إذا كنت كاتبا.
[الرسائل والخطب]
واعلم أنّ الرسائل والخطب متشاكلتان فى أنهما كلام لا يلحقه وزن ولا تقفية، وقد يتشاكلان أيضا من جهة الألفاظ والفواصل؛ فألفاظ الخطباء تشبه ألفاظ الكتّاب فى السهولة والعذوبة؛ وكذلك فواصل الخطب، مثل فواصل الرسائل؛ ولا فرق بينهما إلّا أنّ الخطبة يشافه بها، والرسالة يكتب بها؛ والرسالة تجعل خطبة، والخطبة تجعل رسالة، فى أيسر كلفة؛ ولا يتهيّأ مثل ذلك فى الشعر من سرعة قلبه وإحالته إلى الرسائل إلّا بكلفة؛ وكذلك الرسالة والخطبة لا يجعلان شعرا إلا بمشقّة.
ومما يعرف أيضا من الخطابة والكتابة أنّهما مختصّتان بأمر الدين والسلطان، وعليهما مدار الدّار، وليس للشّعر بهما اختصاص.
أمّا الكتابة فعليها مدار السلطان.
والخطابة لها الحظّ الأوفر من أمر الدّين؛ لأنّ الخطبة شطر الصلاة التى هى عماد الدّين فى الأعياد والجمعات والجماعات، وتشتمل على ذكر المواعظ التى يجب أن يتعهّد بها الإمام رعيّته لئلّا تدرس من قلوبهم آثار ما أنزل الله عزّ وجلّ من ذلك فى كتابه، إلى غير ذلك من منافع الخطب.
[الشعر]
ولا يقع الشّعر «١» فى شىء من هذه الأشياء موقعا، ولكنّ له مواضع لا ينجع فيها غيره من الخطب والرسائل وغيرها، وإن كان أكثره قد بنى على الكذب والاستحالة من الصفات الممتنعة، والنعوت الخارجة عن العادات والألفاظ الكاذبة؛