مشاهد والخطأ غير مشاهد. وكذلك قوله سبحانه: أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ
، أى إلى معين؛ والاستعارة أبلغ؛ لأن الركن مشاهد، والمعين لا يشاهد من حيث أنه معين.
وكذلك قوله تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ
، حقيقته لا تكوننّ ممسكا، والاستعارة أبلغ؛ لأن الغل مشاهد والإمساك غير مشاهد، فصور له قبح صورة المغول ليستدل به على قبح الإمساك.
وقوله تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ
، حقيقته لنرينّهم، والاستعارة أبلغ؛ لأن حسّ الذائق لإدراك ما يذوقه قوى، وللذوق فضل على غيره من الحواسّ. ألا ترى أنّ الإنسان إذا رأى شيئا ولم يعرفه شمّه فإن عرفه وإلا ذاقه، لما يعلم أن للذوق فضلا فى تبين الأشياء.
وقوله تعالى: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً
، حقيقته منعناهم «١» بآذانهم، من غير صمم يبطل آلة السمع، كالضرب على الكتاب يمنع من قراءته ولا يبطله، والاستعارة أبلغ؛ لإيجازه وإخراج ما لا يرى إلى ما يرى.
وقوله عز اسمه: وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ
ليس فى جميع القرآن أبلغ ولا أفصح من هذا، وحقيقة القرض هاهنا أن الشمس تمسّهم وقتا يسيرا ثم تغيب عنهم، والاستعارة أبلغ؛ لأن القرض أقل فى اللفظ من كل ما يستعمل بدله من الألفاظ، وهو دال على سرعة الارتجاع، والفائدة أن الشمس لو طاولتهم بحرّها لصهرتهم «٢» ، وإنما كانت تمسّهم قليلا بقدر ما يصلح الهواء الذى هم فيه؛ لأن الشمس إذا لم تقع فى مكان أصلا فسد.
فهذه جملة مما فى كتاب الله عز وجل من الاستعارة، ولا وجه لاستقصاء جميعه؛ لأن الكتاب يخرج عن حده.
[الاستعارة فى كلام العرب]
وأما ما جاء فى كلام العرب منه، فمثل قولهم: هذا رأس الأمر ووجهه، وهذا الأمر فى جنب غيره يسير، ويقولون: هذا جناح الحرب وقلبها. وهؤلاء رءوس