وللتذييل فى الكلام موقع جليل، ومكان شريف خطير؛ لأن المعنى يزداد به انشراحا والمقصد اتضاحا. وقال بعض البلغاء: للبلاغة ثلاثة مواضع؛ الإشارة، والتذييل، والمساواة. وقد شرحنا الإشارة والمساواة فيما تقدم؛ فأما التذييل
[التذييل]
فهو إعادة الألفاظ المترادفة على المعنى بعينه، حتى يظهر لمن لم يفهمه، ويتوكد عند من فهمه، وهو ضدّ الإشارة والتعريض؛ وينبغى أن يستعمل فى المواطن الجامعة، والمواقف الحافلة؛ لأن تلك المواطن تجمع البطىء الفهم، والبعيد الذهن، والثاقب القريحة، والجيد الخاطر، فإذا تكررت الألفاظ على المعنى الواحد توكد عند الذهن اللقن، وصح للكليل البليد.
[مثاله من القرآن]
ومثاله من القرآن قول الله عز وجل: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ
ومثاله من النثر قول بعضهم: قبول السّعاية شر من السعاية؛ لأنّ السعاية إخبار ودلالة، والقبول إنفاذ وإجازة، وهل الدّال المخبر، مثل المجيز المنفذ، فإذا كان كذلك فالحزم أن يمقت الساعى على سعايته إن كان صادقا للؤمه فى هتك العورة، وإضاعة الحرمة، وأن يجمع له إلى المقت العقوبة إن كان كاذبا، لجمعه على إضاعة الحرمة، وهتك العورة ومبارزة الرحمن بقول الزّور واختلاق البهتان. فقوله:«وهل الدال المخبر مثل المجيز المنفذ» تذييل ما تقدم من الكلام.