للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقول الآخر «١» :

أسرناهم وأنعمنا عليهم ... وأسقينا دماءهم الترابا

فما صبروا لبأس عند حرب ... ولا أدّوا لحسن يد ثوابا

فجعل بإزاء الحرب أن لم يصبروا، وبإزاء النعمة أن لم يثيبوا؛ فقابل على وجه المخالفة.

وقال آخر «٢» :

جزى الله عنا ذات بعل تصدقت ... على عزب حتى يكون له أهل

فإنا سنجزيها بمثل فعالها ... إذا ما تزوجنا وليس لها بعل

فجعل حاجته وهو عزب بحاجتها وهى عزب، ووصاله إياها فى حال عزبتها، كوصالها إياه فى حال عزبته؛ فقابل من جهة الموافقة.

ومن سوء المقابلة قول امرىء القيس «٣» :

فلو أنها نفس تموت سوّية ... ولكنها نفس تساقط «٤» أنفسا

ليس «سوية» بموافق «لتساقط» ولا مخالف له، ولهذا غيّره أهل المعرفة فجعلوه «جميعة» ؛ لأنه بمقابلة «تساقط» أليق.

[فساد المقابلة]

وفساد المقابلة أن تذكر معنى تقتضى الحال ذكرها بموافقة أو مخالفة، فيؤتى بما لا يوافق ولا يخالف، مثل أن يقال: فلان شديد البأس، نقى الثغر، أو جواد الكف، أبيض الثوب. أو تقول: ما صاحبت خيّرا، ولا فاسقا، وما جاءنى أحمر، ولا أسمر. ووجه الكلام أن تقول: ما جاءنى أحمر ولا أسود، وما صاحبت خيّرا ولا شريرا، وفلان شديد البأس، عظيم النكاية، وجواد الكفّ، كثير العرف.

وما يجرى مع ذلك؛ لأن السمرة لا تخالف السواد غاية المخالفة، ونقاء الثغر لا يخالف شدة البأس ولا يوافقه، فاعلم ذلك وقس عليه.

<<  <   >  >>