هنّ الحمام فإن كسرت عيافة ... من حائهنّ فإنّهنّ حمام «٢»
فمن ذا الذى جهل أنّ الحمام إذا كسرت حاؤها صارت حماما.
وإنما أراد أبو نواس أنه يشبه الجيم لا يغادر من شبهها شيئا، حتى لو زدت عليها هذه الأحرف صارت جعفرا لشدّة شبهها به، وهو عندى صواب، إلا أنه لو اكتفى بقوله:«كعطفة الجيم بكف أعسرا» ولم يزد الزيادة التى بعدها كان أجود وأرشق وأدخل فى مذاهب الفصحاء، وأشبه بالشعر القديم.
وأما قول أبى تمام فله معنى خلاف ما ذكره، وذلك أنه أراد أنك إذا أردت الزّجر والعيافة أدّاك الحمام إلى الحمام، كما أنّ صوتها الذى يظنّ أنه بكاء إنما هو طرب، ويؤدّيك إلى البكاء الحقيقى «٣» ؛ وهذا المعنى صحيح؛ إلا أن المعنى إذا صار بهذه المنزلة من الدّقة كان كالمعمّى؛ والتعمية حيث يراد البيان عىّ.
ومن عيوب المعنى قول أبى نواس فى صفة الأسد «٤» :
كأنما عينه إذا نظرت ... بارزة الجفن عين مخنوق
فوصف عين الأسد بالجحوظ، وهى توصف بالغؤور؛ كما قال الرّاجز «٥» :
كأنّما ينظر من خرق حجر
وكقول أبى زبيد:
كأن عينيه فى وقبين من حجر ... قيضا اقتياضا بأطراف المناقير «٦»