الحمد لله الذى كفى بالإسلام فقد ما سواه، وجعل الحمد متّصلا بنعمته، وقضى ألّا ينقطع المزيد من فضله، حتى ينقطع الشكر من خلقه، ثم إنّا كنا وعدوّنا على حالتين مختلفتين، نرى فيهم ما يسرّنا أكثر مما يسوءنا، ويرون فينا ما يسوءهم أكثر مما يسرهم. فلم يزل ذلك دأبنا ودأبهم؛ ينصرنا الله ويخذلهم، ويمحّصنا ويمحقهم، حتى بلغ الكتاب بنا وبهم أجله؛ فقطع دابر القوم الذى ظلموا والحمد لله ربّ العالمين.
وإنما حسن فى موضعه ومع الغرض الذى كان لكاتبه فيه؛ فأما إن كتب مثله فى فتح يوازى ذلك الفتح فى جلالة القدر وعلوّ الخطر، وقد تطلّعت أنفس الخاصة والعامة إليه وتصرّفت فيه ظنونهم، فيورد عليهم مثل هذا القدر من الكلام فى أقبح صورة وأسمجها وأشوهها وأهجنها كان حقيقا أن يتعجّب منه.
وكذلك لو كتب عن السلطان فى العذل والتوبيخ وما تجب القلوب منه من التغيير والتنكير بمثل ما روى أنّ الوليد بن يزيد كتب إلى والى العراقين حين عتب عليه: إنى أراك تقدّم فى الطاعة رجلا وتؤخّر أخرى، فاعتمد على أيتهما شئت، والسلام.
وبمثل ما كتب جعفر بن يحيى إلى عامل شكى: قد كثر شاكوك، وقلّ شاكروك؛ فإمّا عدلت، وإما اعتزلت.
ومثل هذا ما كتب به بعض الكتّاب إلى عامله على الخراج، وقد وقع عليه تحامل على الرعيّة «١» : إنّ الخراج عمود الملك، وما استغزر بمثل العدل، ولا استنزر بمثل الجور.
فهذا الكلام فى غاية الجودة والوجازة، ولكن لا يصلح من مثل صاحبه وبالإضافة إلى حاله؛ فالإطناب بلاغة؛ والتطويل عىّ؛ لأن التطويل بمنزلة سلوك ما يبعد جهلا بما يقرب. والإطناب بمنزلة سلوك طريق بعيد نزه يحتوى على زيادة فائدة.