، وإن كان هذا أنفى لجميع ما يملك فى الظاهر. وتقول العرب: ما رزأته زبالا. والزّبال: ما تحمله النحلة بفيها؛ يريدون ما نقصته شيئا. وقال النابغة «١» :
يجمع الجيش ذا الألوف ويعدو ... ثمّ لا يرزأ العدوّ فتيلا «٢»
ولو قلت أيضا: ما يملك شيئا البّتة، وما يظلمون شيئا لما عمل عمل قولك:
ما يملكون قطميرا. ولا يظلمون نقيرا «٣» ؛ وإن كان فى الأول ما يؤكده من قولك:
البتة، وأصلا. كذا حكاه لى أبو أحمد عن أبيه عن عسل بن ذكوان. وليس يقتضى هذا أنهم يظلمون دون النقير، أو يملكون دون القطمير؛ بل هو نفى لجميع الملك والظلم، لا يشك فى ذلك من يسمعه.
وفضل هذه الاستعارة وما شاكلها على الحقيقة أنها تفعل فى نفس السامع ما لا تفعل الحقيقة؛ ومن غير هذا النوع قوله تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ
معناه سنقصد؛ لأنّ القصد لا يكون إلا مع الفراغ، ثم فى الفراغ هاهنا معنى ليس فى القصد وهو التوعد والتهديد. ألا ترى قولك: سأفرغ لك، يتضمن من الإيعاد ما لا يتضمّنه قولك: سأقصدلك. وهكذا قوله تعالى: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ
؛ أى لاتعى شيئا، لأن المكان إذا كان خاليا فهو هواء حتى يشغله شىء. وقولك: هذا أوجز من قولك: لا تعى شيئا، فلإيجازه فضل الحقيقة. وكذلك قوله تعالى: أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ
، معناه أطلعنا عليهم. والاستعارة أبلغ؛ لأنها تتضمن غفلة القوم عنهم حتى اطلعوا عليهم، وأصله أن من عثر بشىء وهو غافل نظر إليه حتى يعرفه، فاستعير الإعثار مكان التبيين والإظهار. ومنه قول الناس: ما عثرت من فلان على سوء قط؛ أى ما ظهرت على ذلك منه.