وهذا- كما ترى- كلام فجّ غليظ، ووخم ثقيل، لاحظّ له من الاختيار.
وحكى العتبى عن الأصمعى أنه كان يستحسن قول الشاعر:
ولو أرسلت من حب ... ك مهبوتا من الصين «٣»
لو افيتك قبل الصب ... ح أو حين تصلين
وهما على ما تراهما من دناءة اللفظ وخساسته، وخلوقة المعرض وقباحته.
وذكر العتبى أيضا أن قول جرير «٤» :
إنّ العيون الّتى فى طرفها مرض ... قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللّب حتى لا حراك «٥» به ... وهنّ أضعف خلق الله أركانا
وقوله «٦» :
إنّ الذين غدوا بلبّك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا «٧»
غيّضن من عبراتهنّ وقلن لى ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا «٨»
من الشعر الذى يستحسن لجودة لفظه، وليس له كبير معنى. وأنا لا أعلم معنى أجود ولا أحسن من معنى هذا الشعر.
فلما رأيت تخليط هؤلاء الأعلام فيما راموه من اختيار الكلام، ووقفت على موقع هذا العلم من الفضل، ومكانه من الشرف والنّبل، ووجدت الحاجة إليه ماسة، والكتب المصنّفة فيه قليلة، وكان أكبرها وأشهرها كتاب «البيان والتبيين»