اليزيدى، قال: حدثنى عمى عن أخيه أبى محمد، قال: لما فرغ من بناء قصره بالميدان الذى كان للعباسية، جلس فيه وجمع الناس من أهله وأصحابه، وأمر أن يلبس الناس كلّهم الديباج، وجعل سريره فى الإيوان المنقوش بالفسافسا الذى كان فى صدره صورة العنقاء، فجلس على سرير مرصّع بأنواع الجواهر، وجعل على رأسه التاج الذى فيه الدرّة اليتيمة، وفى الإيوان أسرّة آبنوس عن يمينه وعن يساره، من عند السرير الذى عليه المعتصم إلى باب الإيوان؛ فكلما دخل رجل رتّبه هو بنفسه فى الموضع الذى يراه، فما رأى الناس أحسن من ذلك اليوم، فاستأذنه إسحاق بن إبراهيم فى النّشيد فأذن له؛ فأنشده شعرا ما سمع الناس أحسن منه فى صفته وصفة المجلس؛ إلّا أن أوله تشبيب بالديار القديمة، وبقية آثارها فكان أول بيت منها:
يا دار غيّرك البلى فمحاك ... ياليت شعرى ما الّذى أبلاك
فتطيّر المعتصم منها، وتغامز الناس، وعجبوا كيف ذهب على إسحاق مع فهمه وعلمه وطول خدمته للملوك؛ قال: فأقمنا يومنا هذا، وانصرفنا، فما عاد منا اثنان إلى ذلك المجلس، وخرج المعتصم إلى سرّ من رأى، وخرب القصر.
وأنشد البحترى أبا سعيد قصيدة أولها «١» :
لك الويل من ليل تطاول آخره ... ووشك نوى حىّ تزم أباعره
فقال أبو سعيد: بل الويل والحرب لك! فغيّره وجعله «له الويل» وهو ردىء أيضا.
وأنشد أبو حكيمة أبا دلف:
ألا ذهب الأير الذى كنت تعرف
فقال أبو دلف: أمّك تعرف ذلك.
وأنشد أبو مقاتل الداعى:
لا تقل بشرى ولكن بشريان ... غرّة الداعى ويوم المهرجان
فأوجعه الداعى ضربا، ثم قال: هلا قلت: «إن تقل بشرى فعندى بشريان» .