وقريب منه قول الحسن بن على رضى الله عنهما: البلاغة تقريب بعيد الحكمة بأسهل العبارة.
ومثله قول محمد بن على رضى الله عنهما: البلاغة تفسير عسير الحكمة بأقرب الألفاظ. وقد مضى فيما تقدّم من كلامنا ما يكون مثالا لهذه الفصول.
وأنا أورد هاهنا فصلا ينشرح به أبوابها، ويتّضح وجوهها. أخبرنى أبو أحمد عن أبيه عن عسل بن ذكوان، قال: قال المأمون لمرتدّ عن الإسلام إلى النصرانية: أى شىء أوحشك من الإسلام فتركته؛ قال: أوحشنى ما رأيت من كثرة الاختلاف فيكم. فقال المأمون: لنا اختلافان: أحدهما كاختلافنا فى الأذان، وتكبير الجنائز، والاختلاف فى التشهد، وفى صلاة الأعياد، وتكبير التشريق، ووجوه القراءات، واختلاف وجوه الفتيا، وما أشبه ذلك. وليس هذا باختلاف؛ وإنما ذلك توسعة وتخفيفا من المحنة. والاختلاف الآخر كنحو اختلافنا فى تأويل الآية من كتابنا، وتأويل الخبر عن نبيّنا عليه الصلاة والسلام، مع إجماعنا على أصل التنزيل، واتفاقنا على عين الخبر.
فإن كان الذى أوحشك هو هذا حتى أنكرت هذا الكتاب فينبغى أن يكون اللفظ بجميع التوراة والإنجيل متّفقا على تأويله، كما يكون متّفقا على تنزيله، ولا يكون بين النصارى اختلاف فى شىء من التأويلات. ولو شاء الله أن ينزّل كتبه ويجعل كلام أنبيائه، وورثة رسله كلاما لا يحتاج إلى التفسير لفعل؛ ولكننا لم نر شيئا من الدّين والدنيا دفع إلينا على الكفاية. ولو كان الأمر كذلك لسقطت المحنة والبلوى، وذهبت المسابقة والمنافسة، ولم يكن تفاضل؛ وليس على هذا بنى الله الدنيا.