والبدوى، وإنما هو فى جودة اللفظ وصفائه، وحسنه وبهائه، ونزاهته ونقائه؛ وكثرة طلاوته ومائه، مع صحة السّبك والتركيب، والخلوّ من أود «١» النّظم والتأليف. وليس يطلب من المعنى إلا أن يكون صوابا، ولا يقنع من اللفظ بذلك حتى يكون على ما وصفناه من نعوته التى تقدّمت.
ألا ترى إلى قول حبيب «٢» :
مستسلم لله سائس أمة ... بذوى تجهضمها له استسلام
فإنه صواب اللفظ، وليس هو بحسن ولا مقبول- (الجهضمة، الوثوب والغلبة) .
وقال أبو داود: رأس الخطابة الطّبع، وعمودها الدّربة، وجناحها رواية الكلام، وحليها الإعراب، وبهاؤها تخيّر الألفاظ؛ والمحبّة مقرونة بقلّة الاستكراه. وأنشد:
ومن الدليل على أنّ مدار البلاغة على تحسين اللفظ أنّ الخطب الرائعة، والأشعار الرائقة ما عملت لإفهام المعانى فقط؛ لأنّ الردىء من الألفاظ يقوم مقام الجيدة منها فى الإفهام، وإنما يدلّ حسن الكلام، وإحكام صنعته، ورونق ألفاظه، وجودة مطالعه، وحسن مقاطعه، وبديع مباديه، وغريب مبانيه على فضل قائله، وفهم منشئه.
وأكثر هذه الأوصاف ترجع إلى الألفاظ دون المعانى. وتوخّى صواب المعنى أحسن من توخّى هذه الأمور فى الألفاظ. ولهذا تأنّق الكاتب فى الرسالة، والخطيب فى الخطبة، والشاعر فى القصيدة. يبالغون فى تجويدها، ويغلون فى ترتيبها؛ ليدلّوا على براعتهم، وحذقهم بصناعتهم؛ ولو كان الأمر