يا أبا عثمان أبكيت عينى ... يا أبا عثمان أوجعت قلبى
والبارد فى شعر أبى العتاهية كثير؛ والشعر كلام منسوج، ولفظ منظوم، وأحسنه ما تلاءم نسجه ولم يسخف، وحسن لفظه ولم يهجن، ولم يستعمل فيه الغليظ من الكلام، فيكون جلفا بغيضا، ولا السّوقىّ من الألفاظ فيكون مهلهلا دونا؛ فالبغيض كقول أبى تمام «١» :
جعل «٢» القنا الدرجات للكذجات ذا ... ت الغيل والحرجات والأدحال «٣»
قد كان حزن الخطب فى أحزانه «٤» ... فدعاه داعى الحين للأسهال «٥»
وقوله «٦» :
يا دهر قوّم من أخدعيك فقد «٧» ... أضججت هذا الأنام من خرقك
ولا خير فى المعانى إذا استكرهت قهرا، والألفاظ إذا اجترّت قسرا، ولا خير فيما اجيد لفظه إذا سخف معناه، ولا فى غرابة المعنى إلّا إذا شرف لفظه مع وضوح المغزى، وظهور المقصد.
وقد غلب الجهل على قوم فصاروا يستجيدون الكلام إذا لم يقفوا على معناه إلا بكدّ، ويستفصحونه «٨» إذا وجدوا ألفاظه كزّة غليظة، وجاسية غريبة، ويستحقرون الكلام إذا رأوه سلسا عذبا وسهلا حلوا؛ ولم يعلموا أنّ السهل أمنع جانبا، وأعزّ مطلبا؛ وهو أحسن موقعا، وأعذب مستمعا.