للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمَّا حُجَّةُ القولِ الجَديدِ، فقَدْ استدَلَّ الشافعيُّ بحديثِ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ، قالَ: " أُصيبَ رجلٌ في عَهدِ رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ في ثمارٍ ابتاعَها، فكَثُرَ دينُهُ، فقالَ رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: " تصدَّقوا عليه، فتصدَّقَ الناسُ عليهِ، فلمْ يَبلغْ ذلكَ وفاءَ دَيْنهِ، فقالَ رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لغُرمائِهِ: خُذوا ما وجدتُمْ، وليسَ لكُمْ إلا ذلك " (١٠)، رواهُ مسلمٌ، وبحديثِ " نُهيَ عن بيعِ الثمارِ حتى تَنجو من العاهَةِ " (١١)، ووَجْهُهُ بأنهُ إذا كانتْ من ضَمانِ البائعِ فَلا فَرقَ بينَ بيعِها بعدَ بدوِّ الصَلاحِ أو قبلَهُ، وقدْ فرَّقَ الشارعُ بينَهما، فدَلَّ على دخولِها في ضمانِ المُشتري إذا اشتراها بعدَ ذلكَ.

وقدْ روى حديث جابرٍ في الأمرِ بوضعِ الجوائحِ عن سُفْيانَ بنِ عُيَيْنَةَ بسندِهِ كما تقدَّمَ، وذكرَ أنهُ سمعَ سفيانَ يحدّثُ بهِ كثيراً لا يذكرُ فيهِ وضعَ الجوائحِ، وحكيَ عن سفيانَ: أن حُميْداً كانَ يذكرُ بعدَ " بيعِ السِّنينَ " كلاماً، قيلَ: وضعِ الجوائحِ، لا أحفظُهُ.

قالَ الشافعيُّ مَا معناهُ، فيحتملُ أنهُ قصّةُ عينٍ، وأنّ أمْرَهُ بوضعِ الجوائحِ كانَ على وجهِ الصلحِ، ويحتملُ غيرَ ذلك، فكنتُ أكفُّ عن وضعِ الجوائحِ، لأني لا أدري كيفَ كانَ الكلامُ، وذكرَ كلاماً مُطوَّلاً إلى أنْ قالَ: فإن ثبتَ الحديثُ في وضعِ الجائحةِ، لمْ يكنْ فيما استنْبطتهُ من حديث " نُهيَ عن بيعِ الثمارِ حتّى تأمنَ العاهةَ " حجةٌ، وأمضي الحديثَ على وجهِهِ، وهذا ممّا أَستخيرُ اللهَ فيهِ، ولو صرتُ إلى القولِ بهِ، وضعتُ كلَّ قليلٍ وكثيرٍ، واللهُ أعلمُ.


(١٠) مسلم (٥/ ٣٠).
(١١) رواه البيهقي (٥/ ٣٠٠) عن ابن عمر بلفظ: " حتى تؤمن عليها العاهة " ورواته: ثقات، والشافعي بلفظه (٨/ ٣٨٧) المسند مع الأم.

<<  <  ج: ص:  >  >>