للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبعضها على شرطِ الصحيحين، وقد ورد بألفاظ كما ذكرَها الشافعي، لكن قالَ أبو عبد الرحمن النّسائيُّ: لولا ثقةٌ مَن روى عن رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، لما فرحَ عبدُاللهِ بنُ مَسعودٍ.

قلتُ: وهذا الاختلافُ ليسَ بمُضرٍّ للحديثِ، لأنّ أيّما كانَ من معقلِ بنِ سِنان، الأشجعيّ، أو معقلِ بنِ يسارٍ المُزَنيّ، فهو: ثقةٌ، ومن لمْ يسمهِ لا يضرُّ أيضاً، لأنّ الصحابةَ كلَّهم عدولٌ، ولهذا قال الحافظ أبو عبد الله محمدُ بن يعقوبَ بنِ الأحزم: لو حضرتُ الشافعيَّ وقد وقفَ في هذا الحديثِ، لقمتُ وقلتُ: قد صحَّ الحديث، فقلْ بهِ، وهذا صححهُ النَّوويُّ، وغيرهُ من حُذّاقِ المذهبِ.

وحُجّةُ القديمِ: ما رواهُ الشافعي عن ابن عُييْنةَ عن عطاءِ بنِ السّائبِ عن عبدِ خيرٍ عن عليٍّ: " في الرّجلِ يتزوّجُ المرأةَ ثمَّ يموتُ، ولمْ يدخلْ بها، ولمْ يفرضْ لها صداقاً، إنَّ لها الميراثَ، وعليْها العِدّةُ، ولا صَداقَ لها " (١٩).

ورَوى مالكٌ عن نافعٍ عن ابنِ عمرَ، وزيدِ بنِ ثابتٍ: مثلَ ذلكَ، ثمّ قالَ: بهذا نقولُ، إلا أن يَثبتَ حديثُ بِرْوَعَ (٢٠).

عن أنس: " أنّ رسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أعتقَ صَفيةً، وجعلَ عِتْقها صَداقَها " (٢١)، أخرجاهُ.

ورواهُ الترمذيُّ، ثم قالَ: حسنٌ صحيحٌ، والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ العلمِ من الصّحابةِ، وغيرِهم، وهو قولُ الشافعيّ، وأحمدَ، وإسحاقَ.

وكرهَ بعضُ أهلِ العلم: أن يُجعلَ عِتقُها صداقَها، حتّى يُجعلَ لها مهرٌ سوى العِتْقِ والقول الأولُ أصحُّ، فهذا الذي حكاهُ الترمذيُّ عن الشافعيّ في هذهِ المسألةِ غريبٌ، لا يعرفُهُ كثيرٌ من الأصحابِ، بل المشهورُ في المذهبِ: أنها تُعتقُ ولا يلزمُها أن تتزوّجَ بهِ، ويرجعُ عليها بقيمةِ رَقبتِها، فإن تزوَّجتْهُ استحقَّتْ عليهِ مهْرَ المِثْلِ.


(١٩) الشافعي (٥/ ٦٩) في الأم، والبيهقي (٧/ ٢٤٧).
(٢٠) الشافعي (٥/ ٦٠ في الأم)، ومالك (٢/ ٤)، والبيهقي (٧/ ٢٤٦) عنهما.
(٢١) البخاري (٢٠/ ٨١) ومسلم (٤/ ١٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>