للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: " يا أيّها الذينَ آمَنوا إذا لقيتُم الذينَ كفروا زَحفاً فلا تُولّوهم الأدبارَ. ومَنْ يُولّهمْ يومَئذٍ دُبُرهُ إلا مُتحرِّفاً لقتالٍ أو مُتَحيِّزاً إلى فئةٍ فقدْ باءَ بغضبٍ من اللهِ ومأواهُ جهنّمُ وبئسَ المصيرُ ".

عن أبي هريرةَ عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قالَ: " اجتنبوا السبعَ الموبقاتِ، قالوا: وما هيَ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: الشركُ باللهِ، والسحرُ، وقتلُ النفسِ التي حرّمَ اللهُ إلا بالحقِّ، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليتيمِ، والتّولّي يومَ الزّحفِ، وقذْفُ المحْصناتِ الغافلاتِ المؤمناتِ " (١٢) أخرجاهُ.

فيه دلالةٌ على أنّ مَنْ حضر الصفَّ مِن أهل فرضِ الجهادِ أنهُ ينبغي عليه القتالُ.

عن أبي ذَرٍّ، قالَ: " قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ الأعمالِ أفضلُ؟، قالَ: الإيمانُ باللهِ، والجهادُ في سبيلهِ " (١٣)، أخرجاهُ، في أحاديثَ كثيرةٍ في فضيلةِ الجهادِ، فَيُستحبُّ الإكثارُ منهُ تحصيلاً لثوابِهِ الجزيلِ، واقتداءاً برسولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فإنهُ كانَ كثير الغَزواتِ.

روى مسلم في صحيحهِ عن بُريْدةَ بن الخصيبِ الأسْلميِّ، قالَ: " غزا رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تسعَ عشرةَ غزْوةً، قاتل في ثمانٍ منهن " (١٤).

وذكر محمدُ بن إسحاقَ بنِ يَاسرٍ المدنيُّ في كتابهِ السيرة: أن غزواتِهِ التي خرجَ فيها بنفسهِ كانتْ سَبْعاً وعشرين، وكانتْ بعوثُهُ وسراياه ثمانياً وثلاثين ".

قلتُ: وكلُّ هذا في مدّة مقامِهِ بالمدينةِ، وهيَ عَشْرُ سنين، فإنّ الجهادَ لم يجبْ إلا بالمدينةِ، ولهذا كانَ أقل ما يجزي في السّنةِ مرّةً، ويُؤيّدُ ذلكَ أيضاً ما رواهُ أبو داودَ في المَراسيلِ بإسنادٍ صحيحٍ عن عبدِ الله بنِ كَعْبِ بنِ مالكٍ الأنصاريّ: " أنّ جيشاً من الأنصارِ كانوا بأرضِ فارسَ معَ أميرِهمْ، وكانَ عمرُ يعْقبُ الجيوشَ كلَّ عامٍ، فغفلَ عنهم عمرُ، فلما مرَّ الأجلُ قفَلَ أهلُ ذلكَ الثَّغرِ، فاشتدَّ عليهِ وأوعدهُمْ، وهمْ أصحابُ


(١٢) البخاري (١٤/ ٦١) ومسلم (١/ ٦٤).
(١٣) البخاري (١٣/ ٧٩) ومسلم (١/ ٦٢).
(١٤) مسلم (٥/ ٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>