للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَغْلبُوا مائَتين "، شقَّ ذلكَ على المسلمينَ حينَ فُرِضَ عليهم أنْ لا يَفرَّ واحدٌ من عَشَرةٍ، فجاءَ التَّخفيفُ، فقالَ: " الآن خفَّفَ اللهُ عنكُمْ وعَلِمَ أنَّ فيكُمْ ضَعْفاً فإنْ يكُنْ مِنْكُمْ مائةٌ صَابرةٌ يَغْلبوا مائتين قالَ: فلما خفَّفَ عنهم من العِدَّةِ نقصَ من الصّبرِ بقدرِ ما خُفِّفَ عنهُمْ " (٦٩)، رواهُ البخاريُّ.

وقالَ الشافعيّ: أخبرنا سفيانُ بنُ عُييْنةَ عن ابنِ أبي نجيحٍ عن ابنِ عبّاسٍ، قالَ: " مَن فرَّ من ثلاثةٍ، فلمْ يفرّ، ومَن فرَّ من اثنينِ، فقدْ فرَّ " (٧٠)، ابنُ أبي نجيحٍ: لمْ يُدركْ ابنَ عباس (٧١).

عن ابن عمرَ: " أنهُ كانَ في سَريّةٍ من سرايا رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قالَ: فحاصَ الناسُ حَيْصةً، وكنتُ فيمن حاصَ، فلما برزْنا قلنا كيفَ نصنعُ؟ وقدْ فرَرْنا من الزَّحفِ وبُؤنا بالغضبِ؟، فقلْنا: ندخلُ المدينةَ فنَتَثبّتُ فيها، فنذهبُ ولا يرانا أحدٌ، قالَ: فدخلْنا وقلْنا: لو عَرَضْنا أنفسَنا على رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فإنْ كانتْ لنا توبةٌ أقمْنا، وإنْ كانَ غير ذلكَ ذهبْنا، قالَ: فجلسْنا لرسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قبلَ صلاةِ الفجرِ، فلما خرجَ قُمْنا إليهِ فقلْنا: نحنُ الفَرّارون، قال: لا، بلْ أنتُم العكارونَ، قالَ: فدنوْنا فقبَّلْنا يدَهُ، فقالَ: أنا فئة المسلمين " (٧٢)، رواهُ الشافعيُّ وأحمدُ، وأبو داودَ، وهذا لفظُهُ، والترمذيُّ، وقال: لا نعرفُهُ إلا من حديثِ يزيدَ بنِ أبي زيادٍ.

حَاصَ، بالحاء والصّاد المهْملتينِ أي: حاروا، من قولِهِ: " ما لهم مِنْ مَحيصٍ "، أي مكانٍ يَحيصونَ إليهِ، وقد جاضَ الناسُ، بالجيمِ والضّادِ المُعْجمتَين، وكلاهما بمعنى واحدٍ، وهذهِ السّريةُ هي مُؤتةُ، كما جاءَ مُصرَّحاً بهِ في بعضِ الرّواياتِ، وقدْ كانَ العدوُّ كثيفاً جداً، كانوا قريباً من مائتي ألفٍ من الرّومِ، ونصارى العربِ، وكانَ


(٦٩) البخاري (١٨/ ٢٥٣).
(٧٠) الشافعي (٨/ ٤٤٨) الأم مع المسند، والبيهقي (٩/ ٧٦) موصولاً بذكر عطاء بينهما.
(٧١) هكذا بالأصل لكنه عند البيهقي (٩/ ٧٦) متصل بذكر عطاء بين ابن أبي نجيح وابن عباس.
(٧٢) الشافعي (٨/ ٤١١ الأم مع المسند) وأحمد (١٤/ ٦٨) وأبو داود (٢/ ٤٣) والترمذي (٣/ ١٣٠). وكذا الشافعي ٤/ ١٧١ في الأم.

<<  <  ج: ص:  >  >>