= الحجازِ والعراقِ على إمْضاءِ الشهادةِ على الشهادةِ في الأموالِ، ولأن الحاجة داعيةٌ إليها، فإنها لو لم تُقْبَلْ لبَطَلَتِ الشهادةُ على الوُقُوفِ، وما يَتأخرُ إثباتُه عند الحاكمِ ثم يموتُ شُهودُه، وفي ذلك ضَرَرٌ على الناسِ، ومَشَقَّةٌ شديدةٌ، فوجَبَ أن تُقْبَلَ كشهادةِ الأصْلِ.
قال الشارح: تُقبَلُ في المالِ وما يُقْصَدُ به المالُ [بإجماعٍ]، كما ذكر أبو عُبيدٍ، ولا تُقبَلُ في حَدٍّ، وهذا قول الشَّعْبيِّ والنَّخَعيِّ وأبي حنيفة، وقال مالكٌ والشافعيُّ في قولٍ، وأبو ثَوْرٍ: تُقبَلُ في الحُدودِ وفي كُلِّ حَقٍّ؛ لأن ذلك يَثْبُتُ بشهادةِ الأصل فيَثْبُتُ بالشهادةِ على الشهادةِ، كالمال. ولنا أن الحدودَ مبنيةٌ على السَّتْرِ، والدَّرْءِ بالشُّبُهاتِ، والإسقاطِ بالرجوعِ عن الإقرارِ، إلى أن قال: وظاهرُ كلامِ أحمدَ، أنها لا تُقبَلُ في القِصَاصِ أيضاً، ولا حَدِّ القَذْفِ؛ لأنه قال: إنما تجوزُ في الحقوقِ، أما الدماءُ والحَدُّ فلا، وهذا قولُ أبي حنيفة، وقال مالكٌ والشافعيُّ [وأبو ثَوْرٍ]: تُقبَلُ، وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقيِ؛ لقوله: في كُلِّ شيءٍ إلا في الحُدودِ، لأنه حقُّ آدميٍّ، لا يسقطُ بالرجوعِ عن الإقرار به، ولا يُسْتَحَبُّ سَتْرُه، فأشْبَه الأموالَ.
قال في المُقْنِعِ: ومتى رَجَعَ شهودُ المالِ بعد الحُكمِ لزمَهم الضَّمانُ ولم يُنْقَضِ الحكمُ، سواء ما قبلَ القَبْضِ أو بعدَه، وسواء كان المالُ قائماً أو تالفاً، وإن رَجَعَ شهودُ العِتْقِ غَرِمُوا القيمةَ، وإن رجع شهودُ الطلاقِ قبل الدُّخولِ غَرِمُوا نصفَ المسمَّى، وإن كان بعدَه لم يَغْرَمُوا شيئاً، وإن رَجَعَ شهودُ القِصَاصِ أو الحَدِّ قبل الاستيفاءِ لم يُسْتَوفَ، وإن كان بعده وقالوا أخطأنا فعليهم دِيَةُ ما تَلِفَ، ويَتَقسَّطُ الغُرْمُ على عَدَدِهم، فإن رَجَعَ أحدُهم وحدَه غَرِمَ بِقِسْطِه، ـ إلى أن قال ـ: وإذا عَلم الحاكمُ بشاهدِ الزُّور عَزَّره، وطافَ به في المواضعِ التي يَشْتَهِرُ فيها، فيقال: إنا وَجَدْنا هذا شاهِدَ زُورٍ فاجتَنِبُوه. اهـ. =