ورُوي عنه ﷺ أنه قال في صفة الفرقة الناجية:«هو من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي». فهلا قال من تمسك بظاهر القرآن في باب الاعتقاد فهو ضال؟ وإنما الهدى رجوعكم إلى مقاييس عقولكم، وما يحدثه المتكلمون منكم بعد القرون الثلاثة، وإن كان قد نبغ أصلها في أواخر عصر التابعين.
لا يزال المُصَنِّف رحمه الله تعالى يبين من خلال هذه العبارات ومن خلال ما يعقده من موازنة بين منهج أهل الحق ومناهج أهل الباطل، يبين حقيقة الأمر وحقيقة الخلاف في أصله، وكما تعلمون أن الخلاف هنا خلافٌ بين منهجين؛ إما منهج أهل الحق المبني على الكتاب والسنة وكلام سلف الأمة، كما أسلف المُصَنِّف وبين وقدم، وإما المنهج العقلي الفلسفي المبني على منطق اليونان وفلاسفة الهند وأشكالهم وأمثالهم.
ففي بداية هذا الكلام قال المُصَنِّف:"فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ عَلَى مَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ: إنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعِبَادِ لَا تَطْلُبُوا مَعْرِفَةَ اللَّهِ ﷿ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الصِّفَاتِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا لَا مِنْ الْكِتَابِ وَلَا مِنْ السُنَّة وَلَا مِنْ طَرِيقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ. وَلَكِنِ انْظُرُوا أَنْتُمْ فَمَا وَجَدْتُمُوهُ مُسْتَحِقًّا لَهُ مِنْ الصِّفَاتِ فَصِفُوهُ بِهِا"، فهنا يبين أن هؤلاء قد طرحوا منهج الحق ونَحَّوْهُ جانباً وأقصوه وأبعدوه، وكما ذكرنا سالفاً أنك لا تجد عند هؤلاء استدلالاً بالنصوص في باب الإلهيات ولا في باب النبوات، وهذان البابان كما ذكرنا هما أصلا هذا الدين؛ لأن هذا الدين قام على أصلين هما: التوحيد والاتباع؛ أي لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وكما قال المصطفى ﷺ:«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»، وهذا جانب التوحيد، «وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ»(١)، وهذا جانب الإيمان بالنبي ﷺ واتباع النبي ﷺ.
(١) انظر صحيح البخاري كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابُ الِاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، برقم (٧٢٨٤)، ومسلم كِتَابُ الْإِيمَانَ، بَابُ الْأَمْرِ بِقِتَالِ النَّاسِ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ (٢٢)، وأبو داود (٢٦٤٠)، والترمذي (٢٦٠٦)، وابن ماجه (٧١)، والنسائي (٣٠٩٠)، والإمام أحمد في المسند مُسْنَدُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ (٧٦).