للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فهؤلاء القوم في هذين الأصلين أقصوا منهج الحق وأبعدوا نصوص الكتاب والسنة، وأبعدوا كذلك منهج السلف الصالح، وبالتالي لن تجد في كتبهم قال الله تعالى وقال الرسول ، وإنما الذي ستجده: قال بعض الفضلاء، وقال بعض الحكماء، وقال بعض العقلاء.

وبالتالي يريد أن يشير المُصَنِّف في هذه العبارات، إلى أن هؤلاء اعتمدوا منهجاً وهو الاعتماد على العقل كما زعموا، وسبق أن أسلفنا أن هذا الأمر إنما هو أصل المنهج الفلسفي، وأن المنهج الفلسفي قام على أصلين:

الأصل الأول: أن العلم فقط في المحسوس المشاهد، فهذا الذي يسلِّمون به ويقولون به.

والأصل الثاني: أن الأصل في العلم هو الإنسان؛ أي عقل الإنسان، وأنه لا إيمان بغيبٍ ولا بوحي.

فعلى هذين الأصلين يقوم قطب الرحى عند أصحاب المناهج العقلية؛ أي أن الإيمان ينحصر في المحسوس المشاهد، وأن الأصل في العلم هو الإنسان، وبالتالي ينبني على هذا أنه لا عبرة ولا إيمان بالغيب، وينبني على هذا أنه لا اعتبار ولا قيمة للوحي، فكل أصلٍ من هذين الأصلين لديهم يهدم أصلاً من أصول الدين.

فإذا كان هناك - على حد زعمهم - لا غيب، فمعنى هذا أنه لا توحيد ولا إيمان بالله ﷿، ولذلك لن تجد عند هؤلاء في باب التوحيد إيماناً بوجود الله تعالى إلا بقدر ما قد يكون الأمر في الخيال والذهن لا في الحقيقة والواقع.

فلو جئت إلى أشعريٍّ فقلت له: أين الله؟ فإما أن يقول لك: في كل مكان، أو أن يقول: لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته، فلا يستطيع أن يثبت لله وجوداً حقيقاً يمكن للإنسان أن يقتنع به.

ثم في أصلهم الثاني هدمٌ للوحي، الذي هو الإيمان بالنبي ، فإذاً هم استبدلوا منهج الحق بمنهجٍ فلسفي عقلي يقول: إن المرجع في هذه المسألة وفي غيرها من المسائل إلى عقل الإنسان، فما أجازه عقل هؤلاء، وما أجازه منطقهم فهو المعتمد وهو المقبول والمسَلَّم، وما عداه فهو دائرٌ بين حالين: إما أن يُنفي وإما أن يتوقف الإنسان فيه.

ويحكي المصنف قولهم: "وَلَكِنْ اُنْظُرُوا أَنْتُمْ فَمَا وَجَدْتُمُوهُ مُسْتَحِقًّا لَهُ مِنْ الصِّفَاتِ فَصِفُوهُ بِهِ - سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ"، فعندهم لا اعتبار

<<  <  ج: ص:  >  >>