للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

للوحي، فإنك إذا نظرت في عباراتهم ستجدها عبارات قد يكون بعضها ليس له أصلٌ في الكتاب ولا في السنة، كتسميته تعالى «واجب الوجود»، فمثلاً، ابن سينا عندما يتحدث عن وجود الله تعالى يقول: «واجب الوجود واحد في ذاته بسيط لا تَكَثُّرَ فيه بوجهٍ من الوجوه ولا قسمة له لا في الكم ولا في الكيف ولا في المعقول ولا في اللا معقول ولا في المتناهي ولا في اللا متناهي» (١) إلى نحو هذه العبارات المنطقية الفلسفية التي لا تجد لها أصلاً في الكتاب ولا في السنة.

فتسميته «واجب الوجود» هذا أمرٌ لم يرد به نصٌ من الكتاب أو السنة، ولو جئت تسأل عن «واجب الوجود» في معاجم الفلسفة ستجد أن المراد به: الوجود الذهني الخيالى الذي ليس له حقيقة ولا واقع.

فإذاً هم على هذا بنوا أصل هذه المسألة على عقولهم وفلسفتهم ومنطقهم، ولم يبنوا أصل هذه المسألة على كتاب أو على سُنَّة، وإن شئت فانظر في كتبهم، لن تجد لهم دليلاً من الكتاب أو السُنَّة في هذه المسائل، بل إنهم لا يقبلون هذا.

ولذلك هم أسَّسوا ما يسمَّى «قانون التأويل»، وقانون التأويل يقول: «إذا تعارض العقل والنقل فأيهما يقدم؟» فقالوا بالترتيب المنطقي - قالوا: «إما أن يُجْمَعَ بين الأمرين» (٢)، أي نأخذ بالعقل والنقل وهذا لا يمكن؛ لأن العقل مثلاً يقول: لا، والنقل يقول: نعم، فكيف تجمع بين لا ونعم في وقت واحد؟ هل هذا يمكن؟ فقالوا: «لا يمكن الجمع بين النقيضين أو الجمع بين الضدين» (٣).

المقصود ب «النقيضين» أو ب «الضدين» أن أحدهما يقول: «لا» والثاني يقول: «نعم»، فلئن كان النص يقول للعلوِّ: «نعم»، أو للاستواء «نعم»، فإن عقولهم تقول: «لا»، فقالوا: «يستحيل الجمع بين الضدين ويستحيل ترك الأمرين» (٤) أي أن نترك العقل والنقل.

وقالوا بعد ذلك: «إما أن يقدم العقل على النقل أو يقدم النقل على العقل» (٥) فقالوا: «لو قدمنا النقل على العقل»، فعلى حد زعمهم، العقل هو الأصل والنقل فرع، فيقولون: «تقديم الفرع على الأصل فيه إبطالٌ للأصل والفرع».


(١) انظر كتاب العرش وما روى فيه صفحة (١٢٣).
(٢) انظر كتاب أساس التقديس لفخر الدين الرازي صفحة (٢٢٠).
(٣) انظر المصدر السابق.
(٤) انظر المصدر السابق.
(٥) انظر كتاء درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية الجزء الأول صفحة (٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>