للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

انظر ترتيبهم! قالوا: «لو قدمنا النقل على العقل فإن في ذلك إبطال للأصل والفرع» (١) لأن النقل فرع والعقل أصل، فهم يجعلون العقل هو الأصل في إثبات وجود الله تعالى، ويجعلون العقل هو الأصل في إثبات نُبُوَّة النبي ، فبالتالي جعلوا من العقل أصلاً يعتمدون عليه ويرجعون إليه في هذين البابين.

فبعد هذا، على زعمهم الشرع جاء وَتَفَرَّعَ عن هذا الأصل - أي عن العقل - فإنه إذا أُثبتت نُبُوَّة النبي أثبت ما جاء به النبي، فبالتالي عندهم إثبات ما جاء به النبي متوقفٌ على إثبات نُبُوَّة النبي، افهم هذه المسألة، إثبات ما جاء به النبي - الذي هو الوحي - متوقفٌ على إثبات نُبُوَّة النبي، وإثبات نُبُوَّة النبي متوقف على العقل.

فالعقل عندهم هو الأصل، وتفرع عنه إثبات نُبُوَّة النبي، ثم تفرع عنه إثبات ما جاء به النبي الذي هو الوحي.

فعلى هذا الترتيب عندهم أنه مادام العقل هو الأصل وما جاء به النبي هو الفرع، فلو أنك قدَّمت ما جاء به النبي فإنك بذلك أبطلت الأصل.

«وإبطال الأصل بالفرع فيه إبطالٌ للأصل والفرع» (٢)، هكذا يرتِّبون هذا الترتيب المنطقي الفلسفي، وهذا لا تنسى - كما ذكرنا - يعود على أنهم يقولون: «إن الأصل في العلم هو الإنسان» (٣)، فعلى هذا الترتيب قالوا يستحيل أن يُقَدَّم النقل على العقل.

ما بقي عندهم إلا خيارٌ واحد: أن يقدم العقل على النقل، فهذا أساس ما يسمَّى عندهم بقانون التأويل، الذي من خلاله بعد ذلك طعنوا في النصوص ثبوتاً ودلالة، فحكموا بقطعية العقل، وأما النقل فهو ظنيّ على حد زعمهم، فبعد ذلك حكموا على الآحاد منها - أي من النصوص - بأنها لا تُقْبَلُ ولا تُعْتَمَدُ.

ولمناقشة أصل المتكلمين القاضي بتقديم العقل على النقل عند التعارض يقال:

هذا القانون مبني على ثلاث مقدمات:

١ - ثبوت التعارض بين العقل والنقل.

٢ - انحصار التقسيم في الأقسام الأربعة المذكورة.

٣ - بطلان الأقسام الثلاثة ليتعيَّن ثبوت القسم الرابع، أي تقديم العقل.


(١) انظر المصدر السابق.
(٢) انظر المصدر السابق.
(٣) انظر كتاب درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية الجزء السابع صفحة (١٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>