للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

علو ذات الله تعالى؛ فزعموا أن المتوجه بالدعاء نحو السماء إنما يفعل ذلك لأنها قبلة للدعاء! وأن توجه المسلمين بقلوبهم نحوها ورفع أيديهم باتجاهها: هو توجه لقبلة الدعاء، كما يتوجهون للكعبة قبلة الصلاة! حتى روى بعض الكذَّابين نُفاة الصفات عن الله تعالى في ذلك حديثًا نَسَبَه للنبي ، بلفظ: «السماءُ قِبلةُ الدعاء»!

قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني عنه: «لم أقف له على أصل، إلا ما قاله الحافظ في «نتائج الأفكار» (١) في (آداب الدعاء): «قلت: أما الاستقبال: فلم أرَ فيه شيئًا صريحًا يختص به، وقد نقل الرُّوياني أنه يقول رافعًا بصره إلى السماء، وقد تقدم ذلك فِي حَدِيثِ عمر، وفي حديث ثوبان: «السماء قبلة الدعاء»، فلعل ذلك مراد مَنْ أطلق.

كذا قال! وحديث ثَوبان تقدم عنده (٢)، وليس فيه ما ذكر، ولا رأيتُ ذلك في كتاب من كتب السنَّة التي وقفتُ عليها، بل ظاهر كلام شارح «العقيدة الطحاوية» ابن أبي العز (٣) وغيره: أن هذا الحديث المزعوم هو من قول بعض المؤولة، أو المعطلة الذين ينكرون علو الله على خلقه، واستواءه على عرشه، وما فُطر عليه الناس من التوجه بقلوبهم في دعائهم جهة العلو، فقال الشارح: «إن قولكم: إن «السماء قبلة الدعاء»: لم يقله أحدٌ من سلف الأمة، ولا أنزل الله به من سلطان» (٤).

وقد تكررت عبارة: «السَّماء قِبلة الدعاء» في كتب الأشاعرة، وقد أجاب ابن أبي العز الحنفي عليها من عدة أوج؛ فقال:

«أحدها: أن قولكم: إنَّ السماء قِبلة للدعاء لم يَقله أحد من سلف الأمة، ولا أنزل الله به من سلطان، وهذا من الأمور الشرعية الدينية، فلا يجوز أن يَخفى على جميع سلف الأمة وعلمائها.

الثاني: أن قِبلة الدعاء هي قبلة الصلاة، فإنه يُستحب للداعي أن يستقبل القبلة، وكان النبي يَستقبل القبلة في دعائه في مواطن كثيرة، فمن قال: إنَّ للدعاء قبلة غير قبلة الصلاة، أو إن له قبلتين: إحداهما الكعبة والأخرى السماء فقد ابتدع في الدين، وخالف جماعةَ المسلمين.


(١) يقصد الحافظ ابن حجر ، في كتابه «نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار» (١/ ٢٥٩، ٢٦٠).
(٢) نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار (١/ ٢٤٥)
(٣) «العقيدة الطحاوية» ابن أبي العز (ص ٣٢٧)
(٤) «السلسة الضعيفة» (١٣/ ٤٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>