للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العرب: استوى بشر على العراق، أي: استولى عليها، وقال: إن العرش يكون (الملك)، فيقال له: ما أنكرت أن يكون عرش الرحمن جسمًا خلقه، وأمر ملائكته بحمله؟ قال: ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١٧]، وأمية (١) يقول:

مجدوا الله فهو للمجد أهل ربنا في السماء أمسى كبيرا

بالبناء الأعلى الذي سبق الناس وسوى فوق السماء سريرا

قال: مما يدل على أن الاستواء ههنا ليس بالاستيلاء: أنه لو كان كذلك لم يكن ينبغي أن يخص العرش بالاستيلاء عليه دون سائر خلقه، إذ هو مُستول على العرش، وعلى الخلق، ليس للعرش مزية على ما وصفته، فبان بذلك فسادُ قوله.

ثم يقال له أيضًا: إن الاستواء ليس هو الاستيلاء الذي هو من قول العرب: استوى فلان على كذا، أي: استولى، إذا تمكن منه بعد أن لم يكن متمكنًا، فلما كان الباري ﷿ لا يُوصف بالتمكن بعد أن لم يكن متمكنًا لم يصرف معنى الاستواء إلى الاستيلاء.

ثم ذكر ما حدثه نفطويه عن داود بن علي عن ابن الأعرابي-وقد مرَّ-ثم قال: فإن قيل: ما تقولون في قوله: ﴿أَأَمِنتُم مَنْ فِي السَّمَاء﴾ [الملك: ١٦]؟ قيل له: معنى ذلك أنه فوق السماء على العرش، كما قال: ﴿فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ﴾ [التوبة: ٢]، بمعنى: على الأرض، وقال: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: ٧١]، فكذلك: ﴿أَأَمِنتُم مَنْ فِي السَّمَاء﴾ [الملك: ١٦]. فإن قيل: فما تقولون في قوله: ﴿وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ﴾ [الأنعام: ٣]؟ قيل له: إن بعض القُرَّاء يجعل الوقف في: ﴿السَّمَاوَاتِ﴾، ثم يبتدئ: ﴿وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ﴾، وكيفما كان فلو أن قائلًا قال: فلان بالشام والعراق مَلِكٌ، لَدَلَّ على أن ملكه بالشام والعراق، لا أن ذاته فيهما … » (٢).

وقد قال الذهبي عن القاضي أبي بكر الباقلاني: إنه ليس في المتكلمين الأشعرية أفضل منه مطلقًا، وذكر أنه قال في كتابه «الإبانة»: «فإن قيل: فهل تقولون: إنه في كل مكان؟ قيل: معاذ الله، بل هو مستو على عرشه، كما أخبر في كتابه فقال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥]، وقال: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: ١٠]، وقال: ﴿أَأَمِنتُم مَنْ فِي السَّمَاء﴾ [الملك: ١٦].


(١) هو أُمَيَّة بن أبي الصَّلت، وقد روي أن أبياته هذه أُنشدت للنبي . وسيأتي الكلام عنها.
(٢) أورده الذهبي في «العلو» (ص ٢٣١)، ونقله شيخ الإسلام ابن تيمية في «بيان تلبيس الجهمية» (٢/ ٣٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>