للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن أدلة هذه القاعدة:

قد دل على هذه القاعدة الكتابُ العزيز، كما أجمع عليها علماء الأمة، وفيما يلي بيان ذلك:

أولًا: الدليل من الكتاب العزيز:

١ - قوله تعالى: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.

وجه الدلالة:

(فالله تعالى وصف نفسه بأن له المثل الأعلى، وهو الكمال المطلق، المتضمن للأمور الوجودية والمعاني الثبوتية، التي كلَّما كانت أكثر في الموصوف وأكمل كان بها أكمل وأعلى من غيره.

ولما كانت صفات الرب أكثر وأكمل، كان له المثل الأعلى وكان أحق به من كل ما سواه، بل يستحيل أن يشترك في المثل الأعلى المطلق اثنان، لأنهما إن تكافآ من كل وجه، لم يكن أحدهما أعلى من الآخر، وإن لم يتكافأ، فالموصوف به أحدهما وحده، فيستحيل أن يكون لمن له المثل الأعلى مثل أو نظير، وهذا برهان قاطع على استحالة التمثيل والتشبيه، فتأمله فإنه في غاية الظهور والقوة) (١).

٢ - قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١]. يقول ابن قتيبة: "أي: ليس كهو شيء، والعرب تقيم المثل مقام النفس، فتقول: مثلي لا يقال له هذا، أي: أنا لا يقال لي هذا" (٢). ويقول الزجاج: "هذه الكاف مؤكدة، والمعنى: ليس مثله شيء، ولا يجوز أن يقال: المعنى مثل مثله شيء؛ لأن من قال هذا فقد أثبت المثل لله، تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا" (٣).

ووجه الدلالة: في الآية: الكريمة نفي صريح للمماثلة والمشابهة بين الله تعالى وبين مخلوقاته، فهو تعالى لا يماثله ولا يشبهه شيء من خلقه، لا في ذاته ولا في صفاته.

قال الإمام أحمد: "إنما التشبيه أن يقول: يد كيد أو وجه كوجه. فأما إثبات يد ليست كالأيدي، ووجه ليس كالوجوه، فهو كإثبات ذات ليست كالذوات، وحياة ليست كغيرها من الحياة، وسمع وبصر ليس كالأسماع والأبصار" (٤).


(١) الصواعق المنزلة ٣/ ١٠٣٢، وشرح الطحاوية ص ١٤٤
(٢) غريب القرآن لابن قتيبة (ص: ٣٩١).
(٣) معاني القرآن وإعرابه للزجاج (٤/ ٣٩٥).
(٤) ينظر: الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة لابن القيم (١/ ٢٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>