وأما بالنسبة إلى ما استدل به أصحاب هذا القول على أن القول بالتفويض هو مذهب السلف وذكرهم لقول الإمام مالك:(الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة)، فليس المراد ههنا تفويض معنى الاستواء ولا نفي حقيقة الصفة، ولو كان المراد الإيمان بمجرد اللفظ من غير فهم على ما يليق بالله لما قال:(الكيف مجهول)، لأنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى (١).
والاستواء على هذا المعنى لا يكون معلوما بل هو مجهول بمنزل حروف المعجم، لكن الأمر على عكس ذلك، فنفى علم الكيفية؛ لأنه أثبت الصفة وأراد بقوله الاستواء معلوم معناه في اللغة التي نزل بها القرآن فعلى هذا يكون معلوماً في القرآن.
ومعلوم أن ادعاء هؤلاء أن مذهب السلف إنما هو القول بالتفويض سببه اعتقاد هؤلاء أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر -كان مع ذلك لا بد للنصوص من معنى-فبقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع من التكلف. وهذا التردد هو الذي وقع فيه من قال بالتفويض من هؤلاء كالبيهقي والرازي، فهم لم يلتزموا بهذا القول مطلقاً بل غالباً ما يخالفونه كما فعل الرازي في تأسيسه حيث جنح إلى التأويل وترك القول بالتفويض. "