للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المفوضة، وبيِّن بطلانه في كثيرٍ من المواضع منها هذا الكتاب، لكن مراده هنا أن هؤلاء قد أقرَّ أكابرهم بأن التأويل منهجٌ فاسد، وهو بعيد عن الحق.

فمن أَوَّل الاستواء أو مَنْ أَوَّل اليد وغير ذلك من التأويلات، ليس له في ذلك مُسَوِّغ ولا مستند من كلام سلف الأمة، ولا يُعلم عن سلف الأمة أنهم أوَّلوا شيئًا من هذه الصفات، فهذا تأكيدٌ لبطلان هذا المنهج وفساده.

ومعلوم أن رجوع الجويني والشهرستاني والرازي والغزالي وكل هؤلاء تقدم الحديث عن توبتهم، لا يعني بالضرورة أنهم عرفوا منهج السلف على وجه التفصيل، بالدرجة التي كانوا عليها في معرفة أقوال المتكلمين ومناهجهم.

وبالتالي ليس كلام الجويني بحجة على السلف فلأقوال السلف دواوينها ومصادرها التي تؤخذ منها أقوالهم وتستبين منها مناهجهم.

ومن القواعد التي تقرَّر في منهج أهل السنة والجماعة: أن الحق يُقبل من أيِّ كائن كان، فإن الإنسان إذا جاء بالحق فليس العبرة بأنه جاء من فلان، ولكن العبرة أن هذا هو الحق، وقد يكون الإنسان على عِلم وعلى هدى ولكنه قد يخرج عن الحق.

فإذًا كما يقول العلماء في ذلك: الحق لا يقوم بالرجال، ولكن الرجال يقومون بالحق، فالحقُّ أحقُّ أن يُتَّبع، فكون الإنسان جاء بالحق وقال بالحق وحتى لو كان كافرًا أو فاجرًا فيبقى الحقُّ حقًّا، والباطل يبقى باطلًا حتى وإن جاء من عالم.

فإذًا كما يقول شيخ الإسلام في تقرير هذه القاعدة: أنه لا يُنتصر لشخصٍ بعينه انتصارًا مطلقًا إلا شخص النبي ؛ لأنه هو المعصوم في التبليغ، فبالتالي يُقبل قوله ويُنتصر له انتصارًا مطلقًا، ولا يُنتصر لطائفة معينة انتصارًا مطلقًا إلا لطائفة واحدة وهم الصحابة؛ لأن الحقَّ لا يخرج عن جملتهم.

فبالتالي ليس في منهج أهل السنة تقديس الأشخاص أو الأعيان، بل كما يقول الإمام مالك كما جاء عنه: «كلٌّ يؤخذ من قوله ويُرَدُّ عليه إلا صاحب هذا القبر» (١)، فإذًا تبقى أقوال الرجال قابلة للحق وقابلة للخطأ.

وقال ابن قيم الجوزية : "والله تعالى يحب الانصاف بل هو أفضل حلية تحلى بها الرجل خصوصا من نصب نفسه حكما بين الاقوال والمذاهب وقد قال الله


(١) انظر: كتاب الرد على الأخنائي قاضي المالكية صفحة (١٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>