للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(١٤٢) «ولا يحسب الحاسب أن شيئًا من ذلك يُناقض بعضه بعضًا البتة، مثل أن يقول القائل: ما في الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش يخالفه في الظاهر قوله تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ [الحديد: ٤]، وقوله : «إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قِبَل وجهه» (١)، ونحو ذلك، فإن هذا غلط.

وذلك أن الله معنا حقيقة، وهو فوق العرش حقيقة، كما جمع الله بينهما في قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الحديد: ٤].

فأخبر أنه فوق العرش يَعلم كل شيء وهو معنا أينما كنا، كما قال النبي في حديث الأوعال: «والله فوق العرش، وهو يَعلم ما أنتم عليه» (٢).

وذلك أن كلمة (مع) في اللغة إذا أُطلقت، فليس في ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين وشمال، فإذا قُيِّدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى، فإنه يقال: ما زلنا نسير والقمر معنا، أو النجم معنا. ويقال: هذا المتاع معي لمُجامعته لك، وإن كان فوق رأسك، فالله مع خلقه حقيقة، وهو فوق عرشه حقيقة.

ثم هذه المعية تختلف أحكامها بحسب الموارد، فلما قال: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ [الحديد: ٤] دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها: أنه مطلع عليكم، شهيد عليكم، ومهيمن، عالم بكم. وهذا معنى قول السلف: «إنه معهم بعلمه» (٣)، وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


(١) انظر: صحيح البخاري كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ حَكِّ البُزَاقِ بِاليَدِ مِنَ المَسْجِدِ، برقم (٤٠٦)، ومسلم كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةَ، بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْبُصَاقِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا (٥٤٧)، وأبو داود (٤٧٩)، وابن ماجه (٧٦٣)، والنسائي (٧٢٤)، والإمام أحمد في المسند مُسْنَدُ الْمُكْثِرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ (٤٨٤١)، والدارمي (١٤٣٧).
(٢) انظر: المعجم الكبير للطبراني برقم (٨٩٨٧)، قال الشيخ الالباني في مختصر العلو للعلي العظيم صفحة (١٠٣): إسناده صحيح.
(٣) انظر: كتاب الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد بن حنبل صفحة (١٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>