وكذلك في قوله: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا﴾ [المجادلة: ٧]، ولما قال النبي ﷺ لصاحبه في الغار: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: ٤٠] كان هذا-أيضًا-حقًّا على ظاهره، ودلت الحال على أن حكم المعية هنا-مع الاطلاع-والنصر والتأييد.
وكذلك قوله: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُمْ مُّحْسِنُونَ﴾ [النحل: ١٢٨]، وكذلك قوله لموسى وهارون: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: ٤٦] قالوا: هنا المعية على ظاهرها، وحكمها في هذا الموطن: النَّصر والتأييد.
وقد يدخل على صبي مَنْ يخيفه، فيبكي، فيُشرف عليه أبوه من فوق السقف ويقول: لا تخف، أنا معك، أو أنا حاضر ونحو ذلك، يُنبهه على المعية الموجبة بحكم الحال دفع المكروه، ففَرْقٌ بين معنى المعية وبين مقتضاها، وربما صار مقتضاها من معناها، فيختلف باختلاف المواضع.
فلفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع يَقتضي في كل موضع أمورًا لا يقتضيها في الموضع الآخر، فإما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع، أو تدل على قدر مشترك بين جميع مواردها-وإن امتاز كل موضع بخاصية-فعلى التقديرين ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب ﷿ مختلطة بالخلق حتى يقال: قد صرفت عن ظاهرها».
إذًا هنا بعد أن بيَّن أن جماع الأمر في ذلك: أن الكتاب والسنة يحصل منهما كمال الهدى والنور لمن تدبر كتاب الله ﷿ وسنة نبيه ﷺ، ولمن قصد اتباع الحق وأعرض عن تحريف الكلم عن مواضعه، بيَّن أنه- أيضًا- لا يَظن ظانٌّ أو يعتقد معتقد أن هناك تناقضًا أو تعارضًا في كتاب الله ﷾؛ مثل أن يقول قائل: هناك تعارض بين نصوص العلو والاستواء ونصوص المعية.
والجواب على ذلك: أن مَنْ تدبر ورجع إلى كلام سلف الأمة في تفسير آيات المعية، فقد بيَّنوا فيها أنه لا تعارض ولا تناقض البتة بين النصَّين، بل إن الله تعالى جمع بين نصوص الاستواء ونصوص المعية كما في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الحديد: ٤]، وهذا إثبات لصفة