فكون الله ﷾ عالٍ على خلقه مستوٍ على عرشه، فهذا لا يتناقض مع أنه ﷾ يعلم ما يكون من خلقه، وأنه ﷾ معهم بعلمه ومعيته واطلاعه ﷾، ومعلوم أن المؤولة لو عادوا إلى لغة العرب لزال عنهم الإشكال الذي يتوهمونه.
فالبعض يعتقد أن المعية هنا هي معية ذاتية، والنص لا يفيد هذا، فكلمة (مع) إذا أطلقت هكذا ولم تقيَّد، فإنها تفيد معنى المصاحبة، ثم هذه المصاحبة يتحدَّد بعد ذلك نوعها بحسب السياق، فقد تكون مصاحبة بالذات، كما تقول: ذهبت مع فلان.
أما أن تقول مثلًا: أنا معك في هذه المسألة، أو معك في هذه القضية، فهنا مصاحبة لكنها مصاحبة نصرة أو تأييد أو موافقة على هذا الأمر.
فإذًا ينبغي أن نفهم أن كلمة (مع) في لغة العرب تُفيد مطلق المصاحبة من حيث هي، ثم السياق هو الذي يحدِّد نوع المصاحبة.
ونحن إذا نظرنا إلى كتاب الله ﷾ نجد أن الله ﷾ قد أخبر عن نوعين هنا من المعية والمصاحبة: معية عامة كما في هذه الآية: ﴿وهو معكم أينما كنتم﴾، ومعية خاصة كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، أو كما في قوله تعالى: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾.
فلو قلنا إن (مع) تفيد مصاحبة الذات، فكيف نفرِّق بين المعيتين هنا؟
نقول: أمَّا المعية العامة، فإنها معية العلم والاطلاع، وأما المعية الخاصة، فإنها معية نصرة وتأييد؛ لأن الله خصَّها بأهل الإيمان كقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾، أو قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، وغير ذلك من النصوص التي جاءت في إثبات المعيَّة الخاصة.
فقول شيخ الإسلام:«وذلك أن الله معنا حقيقة»، قد يفهم بعض طلبة العلم أنه قصد بهذا معية ذاتية. لا، هي معية حقيقية؛ لأن النص أثبتها، وهي معية العلم، وبالتالي كما جاء في «تفسير الطبري» من قول الضحاك في سورة المجادلة في هذا: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا