للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(١٥٤) «وإن كان الناقل عن السلف أراد-بقوله: الظاهر غير مراد عندهم-أن المعاني التي ظهرت من هذه الآيات والأحاديث مما يليق بجلال الله وعظمته، ولا يختص بصفة المخلوقين، بل هي واجبة لله، أو جائزة عليه جوازًا ذهنيًّا، أو جوازًا خارجيًّا غير مراد، فقد أخطأ فيما نقله عن السلف، أو تعمد الكذب، فما يمكن أحد قط أن ينقل عن واحد من السلف ما يدل-لا نصًّا ولا ظاهرًا-أنهم كانوا يعتقدون أن الله ليس فوق العرش، ولا أن الله ليس له سمع ولا بصر، ولا يد حقيقة.

وقد رأيت هذا المعنى ينتحله بعض مَنْ يحكيه عن السلف، ويقولون: إن طريقة أهل التأويل هي في الحقيقة-طريقة السلف-بمعنى: أن الفريقين اتفقوا على أن هذه الآيات والأحاديث لم تدل على صفات الله ، ولكن السلف أمسكوا عن تأويلها، والمتأخرون رأوا المصلحة في تأويلها؛ لمسيس الحاجة إلى ذلك، ويقولون: الفرق أن هؤلاء قد يعينون المراد بالتأويل، وأولئك لا يعينون؛ لجواز أن يراد غيره».

وهذا حقيقة قول الأشاعرة، إذ يزعمون أن النصوص على غير ظاهرها، وأن السلف أمسكوا عن تأويلها فقط، وهذا زعم فاسد.

والفرق بين عقيدة أهل السنة وعقيدة أهل التعطيل من جهة وعقيدة أهل التمثيل من جهة أخرى.

فأهل السنة يعتقدون أن ما اتصف الله به من الصفات لا يُماثله فيها أحد من خلقه، فالله ﷿ قد أخبرنا بذلك بنصِّ كتابه العزيز حيث قال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، فإذا ورد النص بصفة من صفات الله تعالى في الكتاب أو السنة-فيجب الإيمان به والاعتقاد الجازم بأن ذلك الوصفَ بالغٌ من غايات الكمال والشرف والعلو مما يَقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين؛ فالشر كل الشر في عدم تعظيم الله، وأن يَسبق في ذهن الإنسان أن صفة الخالق تُشبه


(١) انظر: «منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات» (ص ٢١، ٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>