للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صفة المخلوق، فعلى القلب المؤمن المُصَدِّق بصفات الله التي تمدح بها أو أثنى عليه بها نبيه ، أن يكون معظِّمًا لله جل وعلا غير مُتنجس بأقذار التشبيه؛ لتكون أرضُ قلبِه طيبةً طاهرة قابلة للإيمان بالصفات على أساس التنزيه أخذًا بقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (١).

أمَّا أهل التعطيل: فإنَّهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات التي لا وجود لها إلا في أفهامهم الفاسدة.

فعقيدة هؤلاء المعطلة جمعت بين التمثيل والتعطيل، وهذا الشر إنَّما جاء من تنجس قلوبهم وتدنسها بأقذار التشبيه، فإذا سمعوا صفة من صفات الكمال التي أثنى الله بها على نفسه؛ كاستوائه على عرشه ومجيئه يوم القيامة وغير ذلك من صفات الجلال والكمال.

فإن أول ما يخطر في أذهانهم أن هذه الصفة تشبه صفات الخلق؛ فيتلطخ القلب بأقذار التشبيه؛ فلم يقدر الله حقَّ قدره، ولم يُعَظِّم الله حقَّ عظمته؛ حيث سبق إلى ذهنه أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق، فيكون أولاً نجَّس القلب بأقذار التشبيه، ثم دعاه ذلك إلى أن ينفي صفة الخالق جلَّ وعلا عنه بادِّعاء أنها تشبه صفات المخلوق، فيكون فيها أولاً مشبهًا، وثانيًا معطلاً ضالًّا ابتداءً وانتهاءً متهجمًا على ربِّ العالمين يَنفي صفاته عنه بادعاء أن تلك الصفة لا تليق (١).

وأمَّا عقيدة أهل التمثيل: فهي تقوم على دعواهم أن الله ﷿ لا يخاطبنا إلا بما نَعقل، فإذا أخبرنا عن اليد فنحن لا نعقل إلا هذه اليد الجارحة؛ فشَبَّهوا صفات الخالق بصفات المخلوقين، فقالوا: له يد كيدي، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.

وأمَّا العارفون به، المُصدقون لرسله، المُقرون بكماله فهم يُثبتون لله جميع صفاته، ويَنفون عنه مشابهة المخلوقات، فيجمعون بين الإثبات ونفي التشبيه، وبين التنزيه وعدم التعطيل، فمذهبهم حسنة بين سَيئتين، وهدًى بين ضلالتين.

وخلاصة القول: أن عقيدة أهل السنة تتميز عن عقيدة المشبهة، بأن أهل السنة يُفَوِّضون علم كيفية اتصاف الباري ﷿ بتلك الصفات إلى الله ﷿، فلا عِلم للبشر بكيفية ذات الله ، «ولا تفسير كُنه شيء من صفات ربنا تعالى؛ كأن يقال: استوى على هيئة كذا.


(١) انظر: «منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات» (ص ١٩، ٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>