للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من خلال ما تقدم، فإذا كانت هناك صفات تُثبت لله مثل العلم، والحياة، والقدرة، والإرادة، والمخلوق يوصف بمثل هذه الصفات، ومع ذلك قال هؤلاء: إنها تُثبت لله حقيقة، فيقال لهم: كذلك الوجه، وكذلك اليدين، وكذلك الاستواء، وكذلك النزول أيضًا من جنس هذه الصفات تثبت لله حقيقة على وجه يليق بجلاله وكماله.

وبعد هذا أعطى دليلًا آخر وهو: أن القول في الصفات كالقول في الذات، وأيضًا هذه القاعدة تجدها مفصلة في «الرسالة التدمرية»، وقال هنا: «فإن الصفات كالذات، كما أن ذات الله ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس المخلوقات، فصفاته ثابتة حقيقية من غير أن تكون من جنس صفات المخلوقين. فإذًا كما أن لله ذاتًا حقيقة، فإن له صفات حقيقة، وصفاته ثابتة من غير أن تكون من جنس ما للمخلوقات.

بعد هذا أورد كلامًا رد به على المشبِّهة، ثم رد على المعطِّلة، قال: «فمن قال-أي: من المشبهة-: لا أعقل علمًا ويدًا إلا من جنس العلم واليد المعهودين»، فهذا كلام المشبهة يقولون: إن الله تعالى لا يخاطبنا إلا بما نعقل، فإذا قال: «يد»، فأنا لا أعقل إلا هذه الجارحة.

قيل له: فكيف تعقل ذاتًا من غير جنس ذوات المخلوقين؟! فكما أنك تثبت لله ذاتًا، ويرى أن هذه الذات ليست من جنس ذوات المخلوقين، فكذلك عليك أن تثبت لله صفاتٍ ليست من جنس صفات المخلوقين.

ومن المعلوم أن صفات كل موصوف تناسب ذاته وتلائم حقيقته، فمن لم يفهم من صفات الرب الذي ليس كمثله شيء إلا ما يناسب المخلوق، فقد ضلَّ في عقله ودينه.

ثم قال ردًّا على المعطلة: «وما أحسن ما قال بعضهم: إذا قال لك الجهمي: كيف استوى؟ أو كيف ينزل إلى السماء الدنيا؟ أو كيف يداه؟ ونحو ذلك؟

فقل له: كيف هو في نفسه؟

فإذا قال لك: لا يَعلم ما هو إلا هو، وكنه الباري تعالى غير معلوم للبشر.

فقل له: فالعلم بكيفية الصفة مستلزم للعلم بكيفية الموصوف، فالعلم بكيفية صفاته يستلزم العلم بكيفية ذاته.

فإذًا لابد إذا طلب العِلم بكيفية الصفة ككيفية النزول أو الاستواء أن نطالبه بكيفية الذات؛ لأن هذا يستلزم هذا، فإذا عُلم كيف ذاته، نعلم كيف صفاته؟ وإذا جهلنا كيفية ذاته، فإنه من باب أولى أن نجهل كيفية صفاته. فالعلم بكيفية الصفة مستلزم للعلم بكيفية الموصوف، فكيف يمكن أن تُعلم كيفية صفة لموصوف لم تعلم كيفية ذاته؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>