للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«وهذه الروح التي في بني آدم، قد علم العاقل اضطراب الناس فيها، وإمساك النصوص عن بيان كيفيتها؛ أفلا يعتبر العاقل بها عن الكلام في كيفية الله تعالى؟! مع أنا نقطع بأن الروح في البدن، وأنها تخرج منه، وتعرج إلى السماء، وأنها تُسَلُّ منه وقت النَّزع، كما نطقت بذلك النصوص الصحيحة، لا نُغالي في تجريدها غلو المتفلسفة ومن وافقهم، حيث نفوا عنها الصعود والنزول، والاتصال بالبدن، والانفصال عنه، وتخبطوا فيها حيث رأوها من غير جنس البدن وصفاته، فعدم مماثلتها للبدن لا ينفي أن تكون الصفات ثابتة لها بحسبها، إلا أن يفسروا كلامهم بما يوافق النصوص، فيكونون قد أخطأوا في اللفظ، وأنى لهم بذلك؟

ولا نقول: إنها مجرد جزء من أجزاء البدن كالدم والبخار مثلًا، أو صفة من صفات البدن والحياة، وإنها مختلفة الأجساد ومساوية لسائر الأجساد في الحد والحقيقة كما يقول طوائف من أهل الكلام، بل نتيقن أن الروح عينٌ موجودة غير البدن، وإنها ليست مماثلة له، وهي موصوفة بما نطقت به النصوص حقيقة لا مجازًا، فإذا كان مذهبنا في حقيقة الروح وصفاتها بين المعطلة والممثلة، فكيف الظن بصفات رب العالمين».

ثم ذكر مثالًا في الروح وهو المثل الثاني فقال: وهذه الروح التي في بني آدم، قد علم العاقل اضطراب الناس فيها، والناس في شأن الروح أقوالهم كأقوالهم في شأن الصفات، فهناك معطِّلة وهناك مشبِّهة، وهناك قول أهل السنة.

فالفلاسفة ومن على شاكلتهم يقولون في الروح كما يقولون في الصفات، فلا يصفونها إلا بالسلب فيقولون: لا داخل البدن، ولا خارجه، ولا فوقه، ولا تحته، ولا مباينة، ولا محايدة، ويصفونها بصفات السلبية.

وأهل الكلام كثير منهم يقولون: إنها جزء من أجزاء البدن كالكبد، والطحال، وكالدم، والبخار الذي في الجسم، فيقولون: إنها جزء من أجزاء هذا البدن، فمن قائل بإنكارها، ومن قائل بأنها جزء من أجزاء البدن.

<<  <  ج: ص:  >  >>