للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على اعتبار أن الخلاف في هذا الباب مع المخالفين من المعطلة كان أساساً في تحديد مصادر التلقي في هذا الباب حيث جعل المعطلة الأصل لديهم هو العقل دون الرجوع إلى الكتاب والسنة وكلام السلف الصالح، ولذلك هذه كتب أهل الكلام كالأشاعرة المتأخرين في الاعتقاد-على سبيل المثال-إذا نظر الناظر فيها في باب التوحيد وباب النبوات، لا يجد لهؤلاء تأصيلاً أو تقريراً من الكتاب أو من السنة أو من كلام السلف الصالح في هذين البابين، فهم لا يذكرون آية أو حديثاً أو قولاً للسلف الصالح، إنما إذا تصفحت مثل هذه الكتب ستجد كلاماً مركباً من المنطق والفلسفة وغاية أدلتهم أن يقولوا قال الفضلاء وقال الحكماء وقال العقلاء.

بل إن الأمر يصل إلى أكبر من ذلك حتى إنهم قدموا أقوال هؤلاء على كلام الله ﷿ وكلام رسوله ،

فأهل التعطيل جعلوا أقوال البشر أو ما يسمونه "العقل" وحده هو أصل علمهم، فالشبه العقلية هي الأصول الكلية الأولية عندهم، وهي التي تثبت وتنفي، ثم يعرضون الكتاب والسنة على تلك الشبه العقلية، فإن وافقتها قبلت اعتضادًا لا اعتمادًا، وإن عارضتها ردت تلك النصوص الشرعية وطرحت، وفي هذا يقول قائلهم: (كل ما ورد السمع به ينظر فإن كان العقل مجوزا له وجب التصديق به، وأما ما قضى العقل باستحالته فيجب فيه تأويل ما ورد السمع به، ولا يتصور أن يشمل السمع على قاطع مخالف للمعقول. وظواهر أحاديث التشبيه -يعني بها أحاديث الصفات-أكثرها غير صحيحة، والصحيح منها ليس بقاطع، بل هو قابل للتأويل) ١ (١).

وقال: "كل ما دل العقل فيه على أحد الجانبين فليس للتعارض فيه مجال، إذ الأدلة العقلية يستعجل نسخها وتكاذبها، فإن ورد دليل سمعي على خلاف العقل، فإما أن لا يكون متواترًا فيعلم أنه غير صحيح، وإما أن يكون متواترًا فيكون مؤولاً ولا يكون متعارضًا" (٢)

فهذا النقل يبين لك مدى تقديم هؤلاء لشبههم العقلية وتعصبهم لها، وكيف أنهم يجعلونها هي الأصول والسمع معروض عليها، فما أجازته عقولهم قبلوه، وما لم تجزه عقولهم شككوا فيه وانتقصوه، ومن ثم سعوا في تأويله وتحريفه، ومن يلقي


(١) الاقتصاد في الاعتقاد لأبي حامد الغزالي ص ١٣٢ - ١٣٣.
(٢) المستصفى ٢/ ١٣٧ - ١٣٨

<<  <  ج: ص:  >  >>